
الرأسمالية الاستخراجية: الاستغلال الذي يُغذِّي الاقتصاد العالمي
- مراجعة لكتاب لاله خليلي «الرأسمالية الاستخراجية»، الذي يقدّم قراءة مكثفة لتاريخ صناعات التعدين والنفط والرمال وغيرها من المواد الخام، باعتبارها ركائز للاقتصاد العالمي ومصادر ضخمة للثراء الشخصي وعدم المساواة.
هناك تفسيران مختلفان على الأقل لمصطلح «الرأسمالية الاستخراجية». يشير الأوَّل إلى التعدين التجاري أو نقل وتسويق السلع الأولية، من النفط إلى خام الحديد، في جميع أنحاء العالم. أما الثاني، فيشير إلى نموذج اقتصادي وتجاري لطالما طبقته الشركات والمموِّلون الكبار محلياً وعالمياً، ويُركِّز بشكل كبير على الإثراء الشخصي. ويتحقَّق ذلك من خلال آليات مؤسسية ومالية تهدف إلى انتزاع حصة كبيرة من مكاسب النشاط الاقتصادي. ويتناول كتاب لاله خليلي التفسير الأول، ولكنه يكشف أيضاً عن تداخل كبير بين التفسيرين.
لطالما كانت شركات وتكتُّلات التعدين، على مر القرون، مصدراً رئيساً للاستملاك، بالإضافة إلى مستويات عالية من اللامساواة - داخل البلدان وحول العالم. وكما تصف المؤلِّفة في حالة النفط والرمال، «فإن تسليعهما والتجارة فيهما يعكسان أوجه اللامساواة العالمية والنهب البيئي... وتتعلَّق الرأسمالية الاستخراجية بكيفية تأثير تسليع الأشياء اليومية العادية على حياة الناس هنا والآن وعلى النصف الآخر من العالم». ولطالما كان ضخ النفط واستخراج المعادن وشحن السلع، وجميعها صناعات مربحة للغاية عبر التاريخ، محركاً رئيساً للاقتصاد العالمي.
خليلي أستاذةٌ لدراسات الخليج في جامعة إكستر وخبيرة رائدة في صناعة النفط وسياسات الشرق الأوسط. ويكشف عملها كيف أن هذه الصناعات - التي تُعد في بعض النواحي العمود الفقري للعولمة - مليئة بـ«المضاربة المربحة والعمالة منخفضة التكلفة والسيطرة الشركاتية الجشعة». كما كانت مصدراً رئيساً للكم الهائل والمتنامي من الموارد المالية المتنقِّلة التي تسيطر عليها الشركات الكبرى وشركات إدارة الأصول وصناديق الثروة السيادية، والتي كانت نتاجاً للرأسمالية الاستخراجية، بمعنييها.
إن تاريخ استخراج النفط والرمال والاتجار بهما «حافل بالتلاعب والابتزاز والانتهاكات». وقد أدى الاتجار في الرمال إلى تجريد أنهار ميانمار وكمبوديا من مجاريها وشطوطها الرملية، وبالتالي تدمير النُّظُم البيئية في هذه العملية
يعرض الكتاب، بشكل واضح وإن كان موجزاً، الآثار السلبية، في معظمها، لممارسات الشركات التجارية القائمة على المحسوبية في صناعات المواد الخام هذه، في الماضي والحاضر. وتغطي الأمثلة المستخدمة الغزو والاستعمار، وتدمير سُبُل العيش إلى جانب هوامش الربح المتضخمة، ودور إكراه الدولة. إن تاريخ استخراج النفط والرمال والاتجار بهما «حافل بالتلاعب والابتزاز والانتهاكات». وقد أدى الاتجار في الرمال إلى تجريد أنهار ميانمار وكمبوديا من مجاريها وشطوطها الرملية، وبالتالي تدمير النُّظُم البيئية في هذه العملية. ويستشهد الكتاب أيضاً بحالات حركات احتجاجية ضد هذه الصناعات، وتشمل الحملة الجماهيرية في عامي 2016 و2017، التي قادتها في الغالب نساء من السكان الأصليين وباءت بالفشل في النهاية، ضد بناء «خط أنابيب داكوتا أكسيس» الذي عبر محمية ستاندينغ روك سيوكس. وكان آخرها خط أنابيب «غازلينك» المثير للجدل والممتد من جبال روكي الكندية إلى ساحل المحيط الهادئ، والمصمم لشحن الغاز الطبيعي إلى الأسواق الدولية. وعلى الرغم من أشكال الحصار المتعددة التي عرقلت البناء، فقد اكتمل خط الأنابيب في نهاية المطاف في العام 2024.
تاريخ التعدين عبارة عن قصة من التكتيكات القمعية، مثل المقاطعة التجارية والتدخل العنيف ضد اتحادات المنتجين العلنية والسرية والملاذات الضريبية الخارجية والصفقات المالية الفاسدة، التي قامت بها الحكومات الغربية والشركات العملاقة، خصوصًا ضد دول الجنوب العالمي. ومن بين الشخصيات الرئيسة بعضٌ من أغنى رجال الأعمال في العالم. فهناك قطب النفط في القرن التاسع عشر وأول ملياردير في العالم، جون دي روكفلر، الذي لُقِّب بأحد «البارونات اللصوص» في أميركا لأساليبه الاستغلالية. وفي النهاية، تفككت إمبراطوريته، «ستاندرد أويل»، بسبب تشريع مكافحة الاحتكار الذي أصدره الرئيس ثيودور روزفلت. وقد كتب روزفلت في العام 1913: «وصلنا إلى مرحلة أصبح فيها ما يحتاجه شعبنا هو ديمقراطية حقيقية. ومن بين جميع أشكال الاستبداد، فإن أقلها جاذبيةً وأكثرها ابتذالاً استبداد الثروة المجردة، استبداد طبقة الأثرياء». لكن الشركات التي نجت من تفكك «ستاندرد أويل» برزت من جديد باعتبارها شركات عملاقة من جيل أحدث، مثل «إكسون موبيل» إلى «شيفرون». واستمرت هذه في الهيمنة على إمدادات البترول على مدى القرن التالي.
ثم هناك أرسطو أوناسيس، قطب المال اليوناني عديم الضمير الذي احتكر سوق ناقلات النفط، ما مكَّن من «صعوده المذهل بين أقطاب المال العالميين المزدهرين». وبعد ذلك بكثير، حاز الأوليغارشيون الروس على ثروات روسيا الطبيعية من خلال بيع أصول الدولة الصناعية والطاقية والمصرفية العملاقة بأسعار مخفضة في خضم الفوضى والفساد الذي أعقب انهيار الاتحاد السوفياتي. ولم يقم أي منهم - من رومان أبراموفيتش إلى أليشر عثمانوف - ببناء أو إدارة الشركات التي استولوا عليها فعلياً.
تاريخ التعدين عبارة عن قصة من التكتيكات القمعية، مثل المقاطعة التجارية والتدخل العنيف ضد اتحادات المنتجين العلنية والسرية والملاذات الضريبية الخارجية والصفقات المالية الفاسدة، التي قامت بها الحكومات الغربية والشركات العملاقة، خصوصًا ضد دول الجنوب العالمي
هذا سردٌ موجز. لكن بينما يُرحَّب بالكتب القصيرة، فإن هذا يعني تغطية محدودة لتاريخ مُعقَّد من السلوك الافتراسي للشركات والدول. يستند الكتاب إلى مقالات سابقة نُشرت في أماكن أخرى، بما في ذلك «لندن ريفيو أوف بوكس» و«جاكوبن». ويتخذ أيضاً منعطفات عدة غير ذات صلة كاملة بموضوعه العام. وتتضمن هذه مناقشةً موجزةً لـ«رأس المال اليَقِظ» وبرامج البنية التحتية الصينية المرتبطة بـ«مبادرة الحزام والطريق» في أفريقيا وآسيا. كما تتضمن سرداً موجزاً للاهتمام الاستعماري بجزر تشاغوس الاستراتيجية، التي سُلِّط عليها الضوء بقرار بريطانيا إعادة الأرخبيل إلى موريشيوس.
لكن على الرغم من إيجازه، يُعَد الكتاب ملخصاً قوياً لقرون من استخراج الموارد الطبيعية والمواد الخام في العالم، ولتراكم ثروات الشركات والأفراد الجماعية الناتجة عن أساليب تجارية قاسية. وقد تعرَّضت بعض أجزاء هذه الصناعة الضخمة لضغوطٍ بسبب التوجه نحو الطاقة المتجددة. لكن مع تراجع بعض القادة السياسيين والشركات البارزة، بما في ذلك شركات عملاقة مثل «بي بي» و«شل»، عن التزامها بالطاقة المتجددة، لا نزال بعيدين كل البُعد من نهاية هذه القصة.
نُشِر هذا المقال في 13 أيار/مايو 2025 في LSE Review of Books بموجب رخصة المشاع الإبداعي.