Preview Iran Missiles

الاقتصاد الإسرائيلي تحت ضربات وكالات التصنيف الائتماني

ساعات قليلة بعد الردّ الإيراني على إسرائيل، أعلنت وكالة «ستاندرد آند بورز» تخفيض التصنيف الإئتماني لإسرائيل على المدى الطويل من A+ إلى A. ويأتي هذا الإعلان بعد أيام فقط من تخفيض وكالة موديز يوم الجمعة الماضي التصنيف الائتماني لإسرائيل درجتين دفعة واحدة، من A2 إلى Baa1، وهو التخفيض الثاني الذي تجريه «موديز» هذا العام، وبرّرت «ستاندرد آند بورز» و«موديز» قرارهما بتعاظم كلفة الحرب وتداعياتها على الاقتصاد الإسرائيلي واستدامة الديون.

يعني تخفيض التصنيف الائتماني لإسرائيل أنها أصبحت أقل جدارة بردّ أموال دائنيها، وبالتالي قد يواجه أصحاب الأموال خطورة أكبر في الاستثمار بالسندات الإسرائيلية، كما ستواجه الحكومة الإسرائيلية صعوبات أكبر في الاستدانة لتمويل آلة الحرب في غزّة والضفّة الغربية ولبنان، ولا سيما أن الوكالتين احتفظتا بـ«نظرة مستقبلية سلبية» لإسرائيل، ما يعني إبقاء الباب مفتوحاً لمزيد من التخفيضات في الأشهر المقبلة.

بحسب وكالة «ستاندرد أند بورز»، فإن الردّ الإيراني البارحة زاد من احتمالات ردود عسكرية أخرى لاحقة تصيب إسرائيل، إلا أن تخفيض الوكالة تصنيف إسرائيل الائتماني وما رافقه من توقعات سلبية، كان سببه في المقام الأول «زيادة احتمالية أن يصبح الصراع بين إسرائيل وحزب الله، في ضوء التصعيد الأخير في القتال، أطول أمداً وتشتدّ حدّته، ما يفرض مخاطر أمنية على إسرائيل»، بالإضافة إلى توقّع الوكالة استمرار الحرب في غزة في العام 2025.

استناداً إلى تحليلها لمجريات الصراع، تتوقّع «ستاندرد آند بورز» الآن تباطؤ النمو الاقتصادي في إسرائيل، مع نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بنسبة 0% في العام 2024 و2.2% في العام 2025، بدلاً 0.5% و5.0% اللتان توقعتهما سابقاً، أما «موديز» فتتوقّع أن ينمو اقتصاد إسرائيل بنسبة 0.5% فقط في العام 2024.

ترى «ستاندرد أند بورز» أن التصعيد الحالي في القتال سيؤدي إلى زيادة مستمرّة في الإنفاق المتعلّق بالدفاع، ما دفعها إلى توقّع عجز حكومي عام بنسبة 9% من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2024، قبل أن ينخفض ​​إلى 6% من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2025. وأشارت الوكالة أيضاً إلى أن التهديدات الأمنية المتزايدة قد تؤدي إلى إضعاف ثقة المستهلكين والمستثمرين باسرائيل، في حين ستظل قطاعات السياحة والبناء والزراعة متأثرة، كما أن عملية برّية أوسع نطاقاً في لبنان تتطلب استدعاء قوات الاحتياط من شأنها أيضاً أن تقيد التعافي الاقتصادي في الأمد القريب.

تجدر الإشارة إلى أن توقعات «ستاندرد أند بورز» مبنية على «أن الصراع الأوسع في الشرق الأوسط، والذي يشمل إيران أو غيرها من الأطراف المعارضة لإسرائيل، ليس السيناريو الأساسي». ويرجع هذا في المقام الأول إلى اعتقاد الوكالة «بأن إيران قد تتجنّب مثل هذا التصعيد بسبب العواقب الأمنية والاقتصادية التي قد تترتب عليه». علماً أن الانزلاق في حرب أوسع لم يعد بعيد المنال مع أخذ كل من اسرائيل وايران موقفاً حازماً بشأن الرد على الآخر، ما يفتح الباب لانزلاقات لا يمكن ضبطها.

لكن وكالة «ستاندر آند بورز» لا تزال ترى جوانب إيجابية في الاقتصاد الإسرائيلي ما ساهم بضبط تخفيضها للتصنيف الائتماني، وبحسب إعلانها: «على الرغم من المخاطر المذكورة أعلاه، فإن تصنيفاتنا لإسرائيل تظل مدعومة بنقاط قوة عدّة رئيسة، وأهمها أن الاقتصاد الإسرائيلي شديد القدرة على التكيّف والتنوّع. فقد تمتعت إسرائيل تاريخياً بمعدلات نمو قوية ونجحت في التعافي بسرعة من الأزمات السابقة». لكن آمال الوكالة في قدرة إسرائيل على التعافي سريعاً يتناقض مع تقديرات الكثير من الخبراء الذين يرون أن شبح حرب العام 1973 يحوم في الأجواء، فقد كان هناك آثار مدمرة للاقتصاد الإسرائيلي، بعد تعزيز الدولة إنفاقها الدفاعي بشكل كبير في سبعينيات القرن العشرين لمعالجة المخاطر الأمنية التي كشفت عنها الحرب حينها، وبحسب أحد الخبراء فإن الحرب الحالية هي حرب لا تشبه أي حرب، يقول: «كانت حرب غزة مختلفة تماماً عن الجولات السابقة في غزة أو عن حرب لبنان الثانية. ومن حيث استدعاء قوات الاحتياط، كانت تشبه حرب يوم الغفران، ومن حيث طول مدتها، كانت تشبه حرب الاستقلال».

بالنسبة إلى «موديز»، فإن الأحداث الجيوسياسية ومخاطر السياسة الداخلية كانتا وراء تخفيضها لتصنيف إسرائيل الائتماني، وفي حديثها مع المستثمرين بعد خفض التصنيف يوم الجمعة، قالت «موديز» إن حزب الله قد ضعف في الأيام الأخيرة، في أعقاب «نجاح عسكري كبير» (بحسب وصفها)، ولكنها لا تزال قلقة للغاية من أن إسرائيل ليس لديها استراتيجية خروج حقيقية من الصراع العسكري، التي من شأنها أن تعيد مستوى من اليقين والأمن لإسرائيل في المستقبل، وهو الأمر الضروري في نهاية المطاف للاستثمارات في البلاد. وأعربت «موديز» عن أسفها لأن الحكومة تنتهج سياسات تزيد من التوترات الاجتماعية المرتفعة بالفعل في البلاد، مستشهدة على سبيل المثال بالعنف الذي يمارسه المستوطنون في الضفّة الغربية الذي تعتبره الأجهزة الأمنية بمثابة مخاطر أمنية متزايدة لإسرائيل، ومحاولة وزير العدل مرّة أخرى تقويض استقلال وقوة القضاء من خلال تأخير التعيينات المهمّة.

حاول وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش التقليل من تأثير تخفيض التصنيف الائتماني الذي أقرّته «موديز»، وأكد أن الإجراء سيتم التراجع عنه بمجرد انتهاء الصراع. مع العلم أن الرجل لا يُحمل بجدية كبيرة في أوساط الاقتصاديين في إسرائيل، بل لديه سوابق بتطمينات فارغة كوعوده أن لا يتجاوز عجز الموازنة هذا العام حاجز الـ 6.6% من الناتج المحلي الإجمالي، على الرغم من بلوغه 8.3% في آب/أغسطس الماضي. 

في المجمل، يبدو أن توقعات وكالتي التصنيف الائتماني بشان الاقتصاد الإسرائيلي تبقى أقل وقعاً على الاحتلال من توقعات أخرى. مثلاً حاول معهد دراسات الأمن الوطني إجراء توقعات كمية عن حجم الأثر على الاقتصاد الإسرائيلي في سيناريو تصعيد على جبهة الشمال حصراً من دون فتح جبهات أخرى لفترة قد تستمر لشهر، ووصل المعهد الى أن احتمالية انكماش الاقتصاد الإسرائيلي في العام 2024 بنسبة 10%، و2% في أحسن السيناريوهات، فضلاً عن احتمالية ارتفاع العجز المالي في العام 2024 إلى 15%.

table