معاينة cop30

مقرّرات هجينة لقمة المناخ في البرازيل

انتهت قمّة المناخ الثلاثون (COP30) التي استضافتها البرازيل من دون تسجيل أي خطوات بنيويّة حقيقيّة أو خارطة طريق واضحة لمواجهة تداعيات التغيّر المناخي. بل جاءت مخرجاتها ملتبسة وهجينة، ولا تعكس مطلقاً حجم المخاطر المناخيّة المتفاقمة، ولا سيّما على البلدان النامية. وقد رسّخت هذه القمّة - التي باتت تُوصَف بأنّها «قمّة التهرّب» (Cop Out) بسبب تبادل الاتهامات وتأجيل معالجة القضايا الجوهرية لسنوات إضافية - حقيقة أنّ النظام الدولي المأزوم غير مستعد للقيام بعمل جماعي فعّال لمواجهة أزمة المناخ، وأنّ الدول المنتِجة للوقود الأحفوري ما زالت تملك القدرة على تعطيل أي إشارة جديّة إلى التخلص التدريجي من هذه المصادر الملوِّثة.

أبرز مقرّرات القمة

بعد تأخير بلغ 27 ساعة عن موعد الاختتام المقرّر، يمكن القول أنّ قمّة المناخ التي انعقدت في بيليم/البرازيل على مدى الأسبوعين الماضيين انتهت إلى حزمة من المقررّات السياسيّة التي لا ترقى إلى مستوى التحدّيات المناخية الفعلية. فقد جاء البيان الختامي محمّلاً بسلسلة مبادرات طوعية غير ملزمة، واكتفى بصياغات تدعو وتشجع وتحضّ من دون إرفاقها بأي التزامات عملية واضحة للمستقبل. وكشف غياب التوافق بين الدول بشأن القضايا الجوهرية عمق الانقسامات داخل النظام المناخي العالمي، وزاده تفاقماً غياب الولايات المتحدة بالكامل عن القمّة بعد قرارات إدارة ترامب المتتالية بالانسحاب من اتفاقية باريس للمناخ.

تعكس مقرّرات قمّة المناخ هشاشة الاستجابة العالميّة لأزمة المناخ، وتُظهر أنّ الجهود الراهنة باتت تتأرجح على حافة الانهيار في ظلّ سياق دولي مأزوم وفجوة تمويليّة آخذة في التوسّع

في المحصّلة، أعلنت المقرّرات الختامية إطلاق جهود جماعيّة جديدة لتعزيز أهداف الحدّ من الاحتباس الحراري وإبقائه ضمن 1.5 درجة مئوية بحلول نهاية القرن، إلى جانب الاتفاق على مضاعفة تمويل التكيّف المخصّص للدول النامية بثلاث مرّات بحلول العام 2035، وهو موعد متأخّر 5 سنوات عمّا كانت تأمله بعض الدول التي طلبت بتحقيق ذلك في أفق العام  2030. كما أطلقت آليّات تشاورية تتصل بالانتقال العادل وبعلاقة التجارة بالمناخ. وعلى الرغم من ذلك، امتنعت القمّة عن تبني أي خطة واضحة للتحوّل بعيداً من الوقود الأحفوري على الرغم من دعم 82 دولة لوضع رؤية أكثر طموحاً وخارطة طريق مفصّلة. واكتفى البيان بالدعوة إلى «تسريع الخطوات الطوعية» للحدّ من الاعتماد على هذه النفط والغاز والفحم، نتيجة المعارضة الحادة من الدول المنتجة، وفي مقدّمها السعودية وروسيا والهند.

ولتجنّب تفجّر الخلافات، اقترحت الرئاسة البرازيلية حلاً وسطاً يقضي بإعداد خارطتي طريق منفصلتين - إحداهما للتحوّل بعيداً من الوقود الأحفوري، والأخرى لوقف إزالة الغابات - في خلال السنة المقبلة وقبل قمّة العام 2026، على أن تُعدّ خارج الأطر الإجرائية المعتادة لقمم الأمم المتحدة للمناخ.

ماذا يعني كل ذلك؟

تعكس مقرّرات قمّة المناخ هشاشة الاستجابة العالميّة لأزمة المناخ، وتُظهر أنّ الجهود الراهنة باتت تتأرجح على حافة الانهيار في ظلّ سياق دولي مأزوم وفجوة تمويليّة آخذة في التوسّع. فقد كشفت النقاشات عن عمق التباينات بين الدول بشأن مقاربة العمل المناخي، ما دفع البعض إلى طرح الحاجة الملحّة لإصلاح نموذج المفاوضات المناخية وهيكليّة قمم الأطراف نفسها.

تبرز أهميّة هذه الدورة من القمّة في كونها المرّة الأولى التي يقرّ فيها البيان الختامي بأنّ العالم يتّجه فعلياً نحو ارتفاع يتجاوز 1.5 درجة مئويّة بحلول العام 2100

وتبرز أهميّة هذه الدورة من القمّة في كونها المرّة الأولى التي يقرّ فيها البيان الختامي بأنّ العالم يتّجه فعلياً نحو ارتفاع يتجاوز 1.5 درجة مئويّة بحلول العام 2100، في نسفٍ واضح للروايات التي تصرّ على أنّ هذا الهدف لا يزال في المتناول. فمعظم الدراسات تشير اليوم إلى مسار تصاعدي قد يرفع حرارة الكوكب بين 2.3 و2.5 درجة مئويّة بنهاية القرن.

وبحسب التقديرات، فإنّ تحديث أكثر من 120 دولة - تمثّل نحو 74% من الانبعاثات العالميّة - لالتزاماتها المناخيّة المعروفة بـ«المساهمات المحدّدة وطنياً» والمتوقّع تنفيذها بحلول 2035، سيؤدّي إلى خفض إجمالي الانبعاثات العالميّة في ذلك العام بنسبة تقارب 12% مقارنة بالعام 2019. ويُعدّ هذا التطوّر تقدّماً ملموساً إذا ما قورن بما كان متوقّعاً قبل اتفاق باريس، حين كان العالم يتّجه نحو زيادة في الانبعاثات تتراوح بين 20% و48% بحلول 2035.

لكن على الرغم من هذه الخطوات الإيجابيّة نسبياً، يبقى هدف 1.5 درجة مئوية بعيد المنال؛ إذ كان تحقيقه يتطلّب خفض الانبعاثات بنسبة 43% بحلول 2030، أي ما يعادل نحو 27.8 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون. بينما تشير التقديرات إلى أنّ مجمل تعهّدات 120 دولة لعام 2035 لا تضمن سوى خفض بنحو 3.4 مليارات طن، ما يترك فجوة ضخمة بين المطلوب والمتاح. أمّا الإبقاء على الاحترار دون 2 درجة مئوية فيستدعي خفضاً بحوالي 16.8 مليار طن، وهو هدف يبدو أكثر واقعية مقارنة بسقف 1.5 درجة، وإن كان لا يزال يتطلّب جهوداً غير مسبوقة.

هيّا بنا نتكيّف... ولكن من سيدفع الكلفة؟

يمكن القول إنّ الشقّ المتعلّق بالتكيّف مع الكوارث المناخيّة كان من أبرز ما خرجت به قمّة بيليم، نظراً لكون دول الجنوب العالمي هي الأكثر معاناة من تداعيات الاحترار العالمي على مختلف المستويات. غير أنّ هذا التركيز بدا، بنظر البعض، أقرب إلى رسالة مبطنة مفادها أن على هذه الدول الاستعداد وحدها لما هو قادم، بعدما أخفق العالم في مسار التخفيف من الانبعاثات. وتزداد الإشكاليّة تعقيدا لأنّ القرار النهائي لم يُحدّد سنة مرجعيّة واضحة للانطلاق منها في قياس هدف مضاعفة تمويل التكيّف.

فمن المعروف أن الاهتمام الدولي بتمويل التكيّف اكتسب زخمه منذ قمّة غلاسكو في العام 2021 (COP26)، حين تقرّر مضاعفة التمويل من نحو 18.8 مليار دولار - وهو ما صُرف فعلياً في العام 2019 - إلى 40 مليار دولار بحلول 2025. إلّا أنّ أحدث بيانات برنامج الأمم المتحدة للمناخ تُظهر صورة مختلفة: فما جرى جمعه في العام 2023 لا يتجاوز 26 مليار دولار، مقارنة بـ28 مليار في العام 2022، ما يعني أنّ التمويل انخفض بدل أن يرتفع. وهنا يبرز السؤال الجوهر: هل تستند مضاعفة التمويل بثلاثة أضعاف، كما جاء في قمّة بيليم، إلى مبلغ 26 مليار دولار كقاعدة (أي رفع التمويل إلى 78 مليارا بحلول 2035)؟ أم إلى هدف الـ40 مليار الذي لم يتحقق أصلاً (أي الوصول إلى 120 مليار دولار في 2035)؟ علما بأنّ التقديرات الأمميّة تشير إلى حاجة الدول النامية لأكثر من 310 مليارات دولار حتى 2035 للاستعداد بحدٍّ أدنى للتأثيرات المناخيّة—أي ما يعادل 12 إلى 14 ضعف المبالغ المرصودة اليوم.

ما جرى جمعه في العام 2023 لا يتجاوز 26 مليار دولار، مقارنة بـ28 مليار في العام 2022، ما يعني أنّ التمويل انخفض بدل أن يرتفع

بذلك يصبح السؤال الحاسم: من سيموّل هذه الفاتورة؟ فقد اعتبرت بعض الدول الأفريقية الإعلان غير ذي جدوى ما لم يقترن بتأمين تمويل قائم على المنح وليس القروض التي ترهق موازناتها المثقلة أصلا بالديون. وفي حال اعتماد مبلغ الـ40 مليار كسنة مرجعيّة ومضاعفته إلى 120 مليارا في 2035، فهذا يعني عمليا أن على البنوك المتعدّدة الأطراف تأدية دور أكثر فاعليّة، إذ سيُطلب منها توفير نحو 60% من التمويل المطلوب، خصوصا بعدما تعهّدت في قمّة دبي 2024 بإيصال تمويلها المناخي إلى 120 مليار دولار بحلول 2030، منها 42 مليارا للتكيّف فقط. وهذا يفرض، بدوره، توسيع مشاركة الاستثمارات الخاصة عبر المنح أو أدوات التمويل الميسّر.

إلى جانب ذلك، تراجع التركيز هذا العام على صندوق الخسائر والأضرار الذي أُنشئ عام 2023 لمعالجة الآثار المناخيّة الأكثر حدّة، علما أنّه رغم التعهّدات التي بلغت نحو 790 مليون دولار، لم يُحوَّل إلى الصندوق فعليا سوى 397 مليون دولار حتى الآن، ما يعكس محدودية الالتزام الجديّ بإنصاف الدول الأكثر تضرّراً.