Preview Fossil-Fuel_Extraction

كيف تغيّر استهلاكنا للموارد الطبيعية في الخمسين سنة الماضية؟

نمت كمية الموارد الطبيعية المستخرجة سنوياً في العالم من 30.9 مليار طن في العام 1970 إلى 95.1 مليار طن في العام 2020، أي أنها تضاعفت أكثر من ثلاث مرّات في نصف قرن، ومن المتوقع أن تصل إلى 106.6 مليار طن في العام 2024، علماً أن الموارد المستخرجة في السبعينيات كانت تتألف في الغالب من الموارد المتجدّدة التي تأتي من النباتات والحيوانات، لكن المعادن اللافلزية المستخدمة في العادة لأغراض البناء (مثل الرمال والحصى)، أصبحت الآن الموارد الطبيعية الأكثر استخراجاً. وأدّى هذا التحوّل في تركيبة الموارد المستخدمة، فضلاً عن التوسّع المهول في استخراجها، إلى تغيير طبيعة الضغوط والآثار البيئية الكبرى على الكوكب، وفق ما جاء في تقرير توقعات الموارد العالمية لعام 2024، الصادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة.

Natural-Resources

المواد الحيوية

تشمل الكتلة الحيوية المواد العضوية المتجدّدة التي تأتي من النباتات والحيوانات، وتشمل المحاصيل ومخلّفات المحاصيل والكتلة الحيوية المستخدمة للرعي والأخشاب، والأسماك المُصطادة، وقد كانت مصدراً أساسياً للطاقة والإنتاج البشري منذ الزمان الغابر، بل حتى في التاريخ القريب، فقد كانت الكتلة الحيوية أكبر مصدر للطاقة في الولايات المتحدة حتى ذروتها في عام 1870، عندما كان 70% من الطاقة يأتي من الخشب.

تميل البلدان التي تمر بمراحل مبكرة من التنمية الاقتصادية إلى الاعتماد بشكل أكبر على مواد وأنظمة طاقة قائمة على الكتلة الحيوية، إلا أنه مع انتقال المزيد من الناس في جميع أنحاء العالم إلى مستويات أعلى من التصنيع في العقود الخمسة الماضية، ازداد الطلب على المنتجات التي تعتمد على المواد وأنظمة الطاقة المتكلة على المعادن.

شكّلت الكتلة الحيوية 41% من جميع المواد المستخرجة في العام 1970، لكن بحلول العام 2020 انخفضت هذه النسبة إلى ما يزيد قليلاً عن الربع، وعلى الرغم من أن نسبة استخدام الكتلة الحيوية تميل إلى الانخفاض في البلدان الصناعية، فإن الاستهلاك الفردي غالباً ما يرتفع، لذلك، ارتفع إجمالي الطلب على الكتلة الحيوية من 12.6 مليار إلى 24.8 مليار طن بين العامين 1970 و2020، أي بزيادة متوسطة تبلغ نحو 1.3% سنوياً.

المحاصيل: مع التزايد المهول في عدد سكان العالم من أقل من 4 مليار نسمة في السبعينيات إلى أكثر من 8 مليار الآن، فضلاً عن تحوّل البشرية نحو النظم الغذائية القائمة على اللحوم والتي تتطلب المزيد من المحاصيل لتغذية الحيوانات، بالإضافة إلى التوسّع في إنتاج الوقود الحيوي المتجّدد كبديل عن النفط لكبح انبعاثات الغازات الضارة للبيئة، نما حصاد المحاصيل بمعدل سنوي 2.2% على مدى العقود الخمسة الماضية، ونال الحصة الأكبر من الكتلة الحيوية المستخرجة في العام 2020، إذ شكّل حوالي 40% من المجموع.

الكتلة الحيوية المستخدمة للرعي: نمت الكتلة الحيوية المستخدمة للرعي، والتي تشير إلى العشب والنباتات الأخرى التي تستهلكها حيوانات الماشية، بمعدل ​​قدره 2.2% سنوياً في المتوسط على مدى العقود الخمسة الماضية، ما يعكس الأهمية المتزايدة لهذا النوع من الكتلة الحيوية في تلبية احتياجات الغذاء والطاقة، علماً أن اتجاهات استخدام هذا النوع من الكتلة الحيوية قد تأثرت أيضاً بالتقدّم في التكنولوجيا الزراعية، والتغيرات في استخدام الأراضي والقيود البيئية المتعلقة بسياسات الإنتاج الحيواني.

الأخشاب: يعود استخدام الأخشاب في البناء إلى العصر الحجري، ما يجعلها واحدة من أقدم مواد البناء التي استخدمها الإنسان، إلا أن أول الاستخدامات المعروفة للأخشاب كانت كأدوات، الفؤوس اليدوية مثلاً، والتي من شأنها أن تساعد البشر على أن يصبحوا صيادين أفضل في البيئات القاسية وتمنحهم ميزة على الحيوانات المفترسة، وعلى الرغم من اندثار غايات استعماله الأولى لا يزال الخشب متوائماً مع نمط حياتنا المعاصرة، فمن العام 1970 إلى العام 2020، نما استخراج الأخشاب على مستوى العالم من حوالي مليار متر مكعب إلى 4 مليارات متر مكعب، بمتوسط ​​نمو سنوي قدره 2%، وشهد العالم في الألفية الجديدة زيادة كبيرة في الحاجة إلى الأخشاب، فقد تسارع استخراجها إلى 2.5% سنويا بعد العام 2000.

الوقود الأحفوري

في معظم تاريخ البشرية، اعتمد أسلافنا على أشكال أساسية جداً من الطاقة: العضلات البشرية، والعضلات الحيوانية، وحرق الكتلة الحيوية مثل الخشب أو المحاصيل، لكن الثورة الصناعية فتحت الباب أمام مصدر جديد للطاقة: الوقود الأحفوري.

يتكوّن الوقود الأحفوري من النباتات والحيوانات المتحلّلة المتواجدة في القشرة الأرضية، ويحتوي على الكربون والهيدروجين الذين يمكن حرقهما للحصول على الطاقة، أستخدم الوقود الأحفوري لتشغيل الاقتصادات منذ أكثر من 150 عاماً، ويوفر حوالي 80% من الطاقة في العالم (2021).

ارتفع استخدام الوقود الأحفوري، بما في ذلك الفحم والبترول والغاز الطبيعي والصخر الزيتي ورمال القطران، بالقيمة المطلقة من 6.1 مليار طن إلى 15.4 مليار طن بين العامين 1970 و2020، أي بنسبة 2.1% سنوياً في المتوسط،  إلا أن حصتها من الاستخراج العالمي انخفضت من 20% إلى 16% خلال هذه العقود الخمسة.

سجّل استخدام الغاز الطبيعي معدل نمو قدره 2.8% سنوياً، في حين نما الفحم بمعدل 2.1%، وأظهرت كلتا المادتين نمواً أعلى من النفط الذي نما بنسبة 1.3%، ويرجع ذلك إلى التوسع في استخدام محطات الطاقة التي تعمل بالفحم والغاز لتوليد الكهرباء، علماً أنه في السنوات الأخيرة، شهد استخدام الفحم ركوداً بسبب انخفاض أسعار الغاز، وزيادة مصادر الطاقة المتجدّدة، وتحسين استخدام الطاقة. 

خامات المعادن

من العصر النحاسي، والعصر البرونزي إلى العصر الحديدي، وصلت أهمية المعادن بالنسبة للنشاط الإنتاجي البشري أن سمّى المؤرخون اللاحقون بأسمائها حقبات تاريخية امتدت لآلاف السنين، وعلى الرغم من أفول هذه الحقبات، لا يزال استخدام المعادن ينمو حتى الآن، فقد شكل الحديد والألمنيوم والنحاس والمعادن غير الحديدية الأخرى نحو 9% من المواد العالمية المستخرجة (2.7 مليار طن) في العام 1970، وارتفع إلى نحو 10% (9.6 مليار طن) في العام 2020، ويمثل هذا ​​نمواً سنوياً قدره 2.6% في المتوسط، وينعكس تنامي أهمية المعادن في مجال البناء وتشييد البنى التحتية للنقل وإنتاج الطاقة، وكذلك في مجال تصنيع العديد من السلع الاستهلاكية.

كان خام الحديد هو المعدن الأسرع نمواً بسبب الطلب المتزايد على الفولاذ في أنشطة البناء والموجة الثانية من التمدن في الجنوب العالمي، وتلعب المعادن بشكل عام دوراً رئيساً في التحول إلى أنظمة الطاقة المتجددة المتقطعة (أي غير المتوفرة بشكل مستمر بسبب بعض العوامل الخارجية)، و البنى التحتية لنقل الطاقة (الألمنيوم والنحاس بشكل أساسي) وتستخدم في تخزين الطاقة (الكوبالت والنيكل والليثيوم)، علماً أن كهربة وسائل النقل والتنقل ستعمل على زيادة الطلب العالمي على المعادن وستتطلب تعزيز إعادة تدوير المعادن.

المعادن اللافلزية

تشمل هذه المعادن الرمال والحصى والصلصال المستخدمة في الغالب لأغراض البناء، وتستخدم كذلك لأغراض صناعية، ونالت القسمة الأكبر من مجموع الموارد المستخرجة، من 31% إلى ما يقرب من 50% بين العامين 1970 و2020، وبذلك شكلت أعلى نسبة نمو سنوي في المتوسط، 3.2%، ونما استخراجها من 9.6 مليار طن في العام 1970 إلى 45.3 مليار طن في العام 2020، ويرتبط هذا التضاعف الكبير بنسب استخراج المعادن اللافلزية بتضخّم البنى التحتية في أجزاء كثيرة من العالم.

إلى ماذا يؤدي هذا الاستخراج المتسارع للموارد الطبيعية؟

لقد أدّى تحول التركيبة المادية للاقتصاد العالمي من الكتلة الحيوية إلى الموارد غير المتجددة إلى تغيير طبيعة الضغوط والآثار البيئية الكبرى، التي لا ما فتئت تأخذ طابعاً أكثر عالمية، كما أصبح الاستخراج العالمي للمواد أكثر تركيزًا في العقود الخمسة الماضية، حيث كانت عشرة اقتصادات مسؤولة عن أكثر من 70% من الاستخراج العالمي في العام 2020 مقارنة بحوالي 64% في العام 1970.

ينتج استخراج ومعالجة الموارد المادية (الوقود الأحفوري والمعادن والمعادن غير الفلزية والكتلة الحيوية) أكثر من 55% من انبعاثات الغازات الدفيئة (GHG) و40% من الآثار الصحية المترتبة على التعرض للجسيمات، علماً أنه إذا أخذنا التغير في استخدام الأراضي في الاعتبار، فإن التأثيرات المناخية تصل إلى أكثر من 60%، بحسب حسابات التقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة.