
الدول النامية أسيرة صادرات المواد الخام
تستسهل البلدان النامية الاعتماد على صادرات الطاقة والمعادن والسلع الزراعية لتحصيل العوائد والعملات الأجنبية، بدلا من خوض مسارات التنمية الشاقة، التي تحميها من تقلبات السوق، لتصبح في النهاية أسيرة مواردها التي كانت تعتبرها في البداية هدية من الطبيعة تمنح اقتصادها دفعة مجانية
لا يزال 103 بلداً حول العالم يُصنَّف ضمن "البلدان المعتمدة على السلع الأساسية"، أي أن أكثر من 60% من صادرات هذه البلدان تتألف من مواد أولية مثل النفط والغاز والمعادن أو محاصيل زراعية ومنتجات حيوانية. وتتميز هذه السلع بكونها متوفّرة في الطبيعة بشكل جاهز تقريباً، تُستخرج وتُصدّر إلى الأسواق العالمية من دون إضافة قيمة فعلية عليها، على عكس بضائع وسلع مصنّعة أخرى، مثل الإلكترونيات والآليات، التي تخضع لمراحل تصنيع مختلفة قبل الوصول إلى مرحلة التصدير.
يشير تقرير مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) إلى أن نحو ثلثي البلدان النامية تُصنَّف ضمن "البلدان المعتمدة على السلع الأساسية". وترتفع هذه النسبة إلى أكثر من 80% في البلدان المنخفضة النمو. في المقابل، لا يزيد عدد البلدان المتقدمة التي تقع ضمن هذا التصنيف عن 8 من أصل 52 بلدا.
تستسهل البلدان النامية الاعتماد على هذا النمط من التصدير لتحصيل العوائد والعملات الأجنبية، بدل خوض مسارات التنمية الشاقة التي تحميها من تقلبات السوق، لتصبح في النهاية أسيرة مواردها التي كانت تعتبرها في البداية هدية من الطبيعة تمنح اقتصادها دفعة مجانية.
يتضح انغماس البلدان النامية في هذه الحلقة المفرغة عند المقارنة بين فترتي 2012-2014 و2021-2023، حيث يتبين أن 99 دولة استمرت في الاعتماد على السلع الأساسية بين الفترتين.
وعلى مدار العقد المذكور، شهدت 7 دول فقط من أصل 106 – وهي جزر القمر، غواتيمالا، إندونيسيا، الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ميانمار، بالاو، وترينيداد وتوباغو – انخفاض حصة السلع الأساسية من إجمالي صادرات البضائع إلى أقل من عتبة 60٪. ومع ذلك، أصبحت أربع دول تعتمد على صادرات السلع الأساسية خلال الفترة نفسها، وهي أنتيغوا وباربودا، بنما، جنوب إفريقيا، وأوكرانيا.
ما يؤكد حقيقة ارتباط البلدان النامية بهذا المسار، هو أن قارة أفريقيا وهي القارة الاقل نمواً والأفقر في العالم، تحتوي على أكثر عدد من البلدان المعتمدة على تصدير السلع الأساسية في العالم، بما مجموعه 46 بلد من أصل 54. ونجد عند المقارنة بين 2012- 2014 و 2021-2023، بقاء هذا العدد ثابتاً مع التحاق جنوب أفريقيا بقائمة البلدان المعتمدة على تصدير السلع الأساسية وخروج جزر القمر منها.
أيضاً، نلاحظ أن المناطق النامية هي الأكثر اعتمادًا على السلع الأساسية عند تقسيمها إلى أصنافها الثلاثة الأساسية: الطاقة، والمعادن، والمنتجات الزراعية:
الطاقة
استمرت منتجات الطاقة، مثل الغاز والنفط، في كونها أكثر صنف متداول من السلع الأساسية في سوق التجارة العالمي، وشكّلت 14.6٪ من صادرات البضائع العالمية في الفترة 2021-2023، رغم أنها كانت تمثل نسبة أكبر بلغت 18.5٪ في الفترة 2012-2014. وكان هذا الانخفاض نتيجةً لمجموعة من العوامل، بما في ذلك انخفاض أسعار النفط في الفترة الأخيرة، والتغيّرات في أنماط استهلاك الطاقة على مستوى العالم.
ظلت غرب آسيا - التي تضم البلدان العربية الآسيوية - اللاعب الرئيسي في صادرات الطاقة العالمية، وهي تمثل حالياً 24.7% من الإجمالي، إلا أن حصتها انخفضت بنسبة 6.6% منذ الفترة 2012-2014. وتُعتبر قارة آسيا بشكل عام المنطقة الأكثر اعتمادًا على صادرات الطاقة، حيث تضم 14 دولة تعتمد على تصديرها، تتركز بشكل خاص في غرب ووسط آسيا. وتأتي أفريقيا في المرتبة الثانية، بوجود 11 دولة تعتمد على صادرات الطاقة.
المحاصيل الزراعية
بين 2012 - 2014 و 2021-2024 شهدت قيمة الصادرات الزراعية العالمية نموًا قويًا، لترتفع من 9.9% إلى 10.5% من إجمالي صادرات البضائع عالمياً. تهيمن أوروبا على الصادرات الزراعية العالمية، بحصة تقدّر بنحو 42٪ من الإجمالي، بينما تعتبر الولايات المتحدة البلد الأول عالميًا في الصادرات الزراعية.
مع ذلك، تبرز أفريقيا الفقيرة بوصفها المنطقة الأكثر اعتماداً على تصدير المحاصيل الزراعية، حيث تعتمد 15 دولة من أصل 38 على صادرات المنتجات الزراعية، تليها أميركا الجنوبية بـ5 دول من أصل 12، وأوقيانوسيا بـ8 دول من أصل 14.
بالتالي، فالمناطق التي تعتمد بدرجة أكبر على صادرات المحاصيل الزراعية ليست بالضرورة صاحبة الحصة الأكبر منها في السوق العالمية، ما يجعلها أكثر عرضة لتقلبات السوق وتأثرًا بقرارات اللاعبين الرئيسيين.
المعادن
شكلت المعادن والخامات والمعادن الفلزية حوالي 7.1% من إجمالي صادرات البضائع عالمياً في الفترة بين 2021 و2023، بالمقارنة مع نحو 7.6 % في الفترة بين 2012-2014. وكانت قارة آسيا وأوقيانوسيا ذات الحصة الأكبر عالمياً بنسبة 37.6% في 2021-2023. بينما تُظهر أفريقيا اعتمادًا قويًا على صادرات المعادن، إذ تُصنَّف 20 دولة فيها ضمن الدول المعتمدة عليها، ما يُمثّل أكثر من 60% من إجمالي الدول المعتمدة على صادرات المعادن في العالم.