Preview ما تبعات حظر الفحم الكولومبي على إسرائيل وكولومبيا؟

ما تبعات حظر الفحم الكولومبي على إسرائيل وكولومبيا؟

بإعلانه حظر تصدير الفحم الكولومبي إلى إسرائيل إلى حين وقف الاحتلال الإبادة الجماعية التي يشنّها في غزة، يفتتح الرئيس غوستافو بيترو مرحلة الضغط الاقتصادي الكولومبي على إسرائيل، والتي سبقتها مرحلة الضغط السياسي المتمثلة بقطع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وإغلاق السفارة الكولومبية في تل أبيب، وإصدار أمر بفتح سفارة في مدينة رام الله الفلسطينية، فضلاً عن طلب الانضمام إلى جنوب أفريقيا في دعواها ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية. لكن، مع إعلان إٍسرائيل المتكرر أنها سوف تتخلص من الفحم كمصدر للطاقة من جهة ورزوح كولومبيا تحت أزمة اقتصادية من جهة أخرى، ماذا يعني هذا القرار لكلا البلدين؟

ما تبعات حظر الفحم الكولومبي على إسرائيل وكولومبيا؟

في العام 2023، صدّرت كولومبيا فحماً بقيمة 447 مليون دولار أميركي إلى إسرائيل، وتجاوزت هذه الصادرات المليار دولار في العام 2022 وفقاً لأرقام الإدارة الوطنية للإحصاء (DANE) التي تنقلها EL Espectador، وبلغت حصة كولومبيا نحو 84.7% من إجمالي واردات إسرائيل من الفحم في ذلك العام.

فضلاً عن اعتمادها الكبير على الفحم الكولومبي، اعتمدت إسرائيل أيضاً على واردات الفحم من روسيا وجنوب أفريقيا وفق المعلومات المتاحة لمرصد التعقيد الاقتصادي حتى العام 2022. حين بلغت الواردات الإسرائيلية من فحم جنوب أفريقيا نحو 15.2% من مجمل واردات الفحم، فيما استوردت النسبة الباقية من كولومبيا. وفي العام 2021، كان حوالي 65% من واردات إسرائيل من الفحم تأتي من كولومبيا، و28% من روسيا، والباقي من جنوب أفريقيا. ولو عدنا أكثر من عقد إلى الوراء سوف نجد أن إسرائيل تعتمد بشكل شبه حصري على هذه البلدان الثلاث.

من هنا، أمكن القول إن مصادر إسرائيل للفحم ليست حصينة، بل هي عرضة للزعزعة في أي وقت لأسباب سياسية في الدرجة الأولى. ما زالت دعوى جنوب أفريقيا على إسرائيل بشأن الإبادة في غزة مستمرة في محكمة العدل الدولية، وليس من البعيد أن يتطوّر الأمر إلى ضغط اقتصادي أو تجاري. أما روسيا، فما زالت صادراتها من الفحم عرضة للعقوبات الأميركية. وقبل شهر فرضت الولايات المتحدة عقوبات على شركة سيبانثراسايت، وهي واحدة من أكبر شركات إنتاج الفحم المعدني في روسيا، كما فرضت وزارة المالية الأميركية عقوبات على 12 منظّمة، وهي جزء من هيكل شركة الفحم. أيضاً، يمكن أن نحاجج أنه بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر، أصبحت إسرائيل أكثر اعتماداً على حلفائها الغربيين، وبالتالي أكثر بعداً من روسيا الرمادية بشأن انحيازها إلى إسرائيل في الحرب التي تخوضها في المنطقة.

لكن السؤال: هل الفحم مهم كثيراً بالنسبة إلى إسرائيل في الأساس؟ 

في العام 2021، احتلت اسرائيل المرتبة التاسعة من حيث استهلاك الفحم الذي تستخدمه في إنتاج الكهرباء بحسب الوكالة الدولية للطاقة. وفي العام 2022، بلغت حصة الفحم في إنتاج الكهرباء 22%، وولّد نحو 16,752 غيغاواط ساعة من الكهرباء.

من جهة أخرى، كانت إسرائيل في المرتبة 25 كمنتج للفحم في العام 2021، علماً أنها أنتجت في العام 2022 ما مجموعة 1010 غيغاواط ساعة، أي ما يشكل 6% من استهلاكها في ذلك العام (16752 غيغاواط ساعة)، لذا فإن استبدال الفحم الكولومبي وحتى الروسي والجنوب أفريقي سيؤدي إلى زيادة في أسعار الكهرباء، بالتالي إلى مزيد من الارتفاع في أسعار الاستهلاك.

في السنوات الأخيرة، أعلنت الحكومة مرات عدة عن نهاية عصر الفحم في توليد الكهرباء وحدّدت موعداً لذلك في نهاية العام 2025. ونجحت بتخفيض استهلاكها من الفحم بنسبة 43% بين عامي 2000 و2022 بحسب الوكالة الدولية للطاقة.

مع ذلك، تم تأجيل عملية إغلاق وحدات الفحم مراراً وتكراراً، وترافق ذلك مع مخاوف أبدتها مصادر حكومية لـ«كالكاليست» من أن يستمر استخدام الفحم على الأقل حتى العام 2029، أو في سيناريو أسوأ حتى العام 2032، إن لم يتم مواصلة عملية التحويل من الفحم إلى الغاز كما يجب على الرغم من التكاليف الباهظة التي تتكبدها العملية. وأكثر من ذلك، تخبرنا «كالكاليست» أن الحرب أدت فعلياً إلى الإسراع في شراء الفحم والديزل.

إذن لا زال من الممكن القول إن استيراد الفحم مهم بالنسبة إلى إسرائيل، لكن هل تصديره مهم  بالنسبة إلى كولومبيا؟ بالنسبة إلى المعارضة في كولومبيا الجواب هو نعم. ردت المعارضة بانتقادات على إعلان الرئيس غوستافو بيترو بتعليق صادرات الفحم إلى إسرائيل كون البلاد تعاني من أزماتها الداخلية الخاصة. مثلاً، تساءل أندريس فوريرو، ممثل حزب الوسط الديمقراطي، عن عدم تصريح الرئيس بشأن تصاعد العنف في بوبايان وغاموندي، بينما يركز على القضايا الدولية، وأصر فوريرو على أنه «في خضم أزمة اقتصادية ومالية خطيرة، يستغني الرئيس عن مصدر دخل ووظائف ليحظى بالتصفيق في الخارج».

القطاع الخاص هو الآخر غير راض عن قرار بترو، مثلاً  ANALDEX أو الرابطة الوطنية للتجارة الخارجية في كولومبيا، والتي تمثل صوت الشركات المصدرة والمستوردة والهيئات الجمركية والموانئ والمناطق الحرة وغيرها، رأت أن «مشروع منع تصدير الفحم إلى إسرائيل يتجاوز العديد من الخطوط الحمراء»، وخشيت من أن «العلاقات التجارية مع إسرائيل قد تدخل مرحلة من الاضطراب»، مع العلم أنه في الأشهر الأربعة الأولى من العام، بلغ إجمالي الصادرات الكولومبية 16 مليار دولار أميركي  من ضمنها 0.6% فقط اتجهت إلى إسرائيل.

أيضاً، استجابت جمعية التعدين الكولومبية، التي يرأسها خوان كاميلو نارينيو، لهذا القرار بقلق، مؤكدةً على انتهاك التزامات كولومبيا الدولية. وأشارت إلى أن إسرائيل تعد وجهة رئيسية للمبيعات الخارجية للفحم الحراري المنتج في كولومبيا؛ وتحججت بأن خطوة الحكومة «سوف تؤثر على الموارد من الضرائب والإتاوات والمساهمات».

لكن، ما ينبغى معرفته في هذا السياق أن كولومبيا تصدّر الفحم إلى عشرات الدول في جميع القارات مثل هولندا وبولندا في أوروبا وتركيا وكوريا الجنوبية في آسيا، وتشيلي والبرازيل في أميركا الجنوبية، والولايات المتحدة والمكسيك في أميركا الشمالية، وبدرجة أقل إلى دول أفريقيا كالمغرب. ما يعني أن لكولومبيا القدرة على الوصول إلى العديد من الأسواق العالمية لتوريد فحمها. 

صحيح أن إسرائيل كانت ثالث أكبر مستورد للفحم من كولومبيا في العام 2022، لكن في السنوات الماضية وصلت حصة إسرائيل إلى ما بين الـ%5 و8% من مجمل صادرات كولومبيا من الفحم، في الوقت الذي يشكل الفحم الكولومبي عشر أضعاف هذا الرقم بالنسبة إلى استيراد إسرائيل من الجهة المقابلة.

بعيداً من الأرقام والمؤشرات الاقتصادية، تبرّر الحكومة الكولومبية لنفسها هذا القرار على المستوى الأخلاقي والقانوني، باعتبار الفحم «مورداً استراتيجياً لصناعة الأسلحة وتعبئة القوات وتصنيع المؤن للعمليات العسكرية». وبحسب موقع الرئاسة: «إن هذا الإجراء مبرر بموجب المادة XX(أ) من اتفاقية الغات 1994، لأنها تسمح للدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية بتنفيذ التدابير اللازمة لحماية الأخلاق العامة. وفي حين تسمح هيئة تسوية المنازعات التابعة لمنظمة التجارة العالمية للدول الأعضاء بتحديد هذا المفهوم، فإن حماية الأخلاق العامة بالنسبة لجمهورية كولومبيا تعني حماية فكرة دولة القانون الاجتماعية والديمقراطية، أي حماية الكرامة الإنسانية والمساواة والديمقراطية والامتثال لحقوق الإنسان». 

تضاف الخطوة الكولومبية إلى سلسلة من الضغوط الاقتصادية التي تمارسها دول عدة على إسرائيل ولو بمستويات مختلفة كحظر تركيا للتبادل التجاري مع إسرائيل، أو منع المالديف من دخول الإسرائيليين إليها، فضلاً عن الضغوط الاقتصادية الناتجة من تواصل الاشتباك على جبهتي الشمال والجنوب وزعزعة التجارة في البحر الأحمر بفعل هجمات حركة أنصار الله. والسؤال هنا، هل يفقد الاقتصاد الإسرائيلي توازنه؟