معاينة هل يُمكن لإزالة ثاني أكسيد الكربون أن تُنقذ المناخ؟

هل يُمكن لإزالة ثاني أكسيد الكربون أن تُنقذ المناخ؟

ما وراء التمنّي: هل يُمكن للتكنولوجيا إيقاف الاحتباس الحراري العالمي عن طريق امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الهواء؟

يقترب تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي العالمي الآن من 429 جزءاً في المليون.1 وهذا ليس أعلى مستوى تم قياسه مباشرة فحسب، بل هو الأعلى منذ أكثر من 3 ملايين عام، وهو أعلى مما شهده البشر على الإطلاق.

وهذه نتيجة مباشرة لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون من الوقود الأحفوري والصناعة، والتي وصلت إلى رقم قياسي بلغ 37.4 مليار طن متري في العام 2024.2 امتصّت محيطات العالم ونباتاته وتربته أكثر من نصف هذه الكمية، لكن ثاني أكسيد الكربون الذي بقي في الهواء رفع الإجمالي بنحو 15 مليار طن متري، ما زاد من تفتت دورة الكربون العالمية ومن حدة ما يصفه الأمين العام للأمم المتحدة بعصر الغليان العالمي.3

إذا توقفت جميع الانبعاثات البشرية غداً، ستُخفّض العمليات الطبيعية تدريجياً كمية ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي إلى مستويات أكثر أماناً، ولكن الكلمة المفتاحية هي تدريجياً. وكما كتب أحد علماء المناخ البارزين: «يبلغ عمر ثاني أكسيد الكربون الناتج عن الوقود الأحفوري في الغلاف الجوي بضعة قرون، بالإضافة إلى نسبة 25% منها تدوم إلى الأبد تقريباً».

ستدوم التأثيرات المناخية لإطلاق ثاني أكسيد الكربون من الوقود الأحفوري في الغلاف الجوي لفترة أطول من ستونهنغ، أطول من كبسولات الزمن، أطول من النفايات النووية، وأطول بكثير من عمر الحضارة الإنسانية حتى الآن. كل طن من الفحم الذي نحرقه يترك غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي. وسيظل ثاني أكسيد الكربون الناتج عن ربع هذا الطن يؤثر على المناخ بعد ألف عام من الآن، في بداية الألفية القادمة.4

إلى ذلك، قدّر علماء آخرون نسبة الكربون طويلة الأمد بنحو 20%. ولكن هذا فرق ضئيل نظراً لأن كمية ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي الآن أكبر بتريليون طن مما كانت عليه عندما بدأت القياسات المباشرة في العام 1958. وبعد قرون كثيرة من الآن، سيظل ثاني أكسيد الكربون يحافظ على درجات حرارة الأرض أعلى بكثير من مستويات ما قبل الصناعة.

يُطلق على الحل الأكثر رواجاً اسم إزالة ثاني أكسيد الكربون (CDR) أو تقنية الانبعاثات السلبية (NET) - وهما مرادفان لاستخدام التكنولوجيا لإزالة ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي. في الواقع، تُدرج معظم الخطط المُقدمة للحفاظ على الاحترار العالمي دون 1.5 %، تقنية إزالة ثاني أكسيد الكربون كمكون أساسي. وقد تقبّل مخططو سياسات المناخ في جميع البلدان حجة صناعة الوقود الأحفوري القائلة بأنه من غير العملي خفض الانبعاثات بسرعة، لذا يجب علينا إيجاد وسائل لسحب ثاني أكسيد الكربون من الهواء بسرعة أكبر من سرعة انبعاثه.

تفترض معظم الخطط أن درجات الحرارة العالمية سترتفع أعلى من المستهدف، ثم تُسحب لاحقاً بواسطة تقنية إزالة ثاني أكسيد الكربون. إلى أي مدى سترتفع درجات الحرارة؟ إلى متى ستبقى تركيزات ثاني أكسيد الكربون مرتفعة بشكل غير آمن؟ ما حجم الضرر الذي لا رجعة فيه الذي سيلحق بالأرض وسكانها في هذه الأثناء؟ لا أحد يُقدّم إجابات مُشجعة عن هذه الأسئلة.

تخبرنا مجلة «إيكونوميست»، الصوت المؤثر لرأسمالية السوق الحرة، أن تجاوز الحد الأدنى البالغ 1.5 درجة مئوية لا يُدمر الكوكب فحسب، ولكنه حكمٌ بالإعدام على بعض الناس، وأساليب الحياة، والنظم البيئية، وحتى الدول. ولهذا السبب، تحتاج تقنيات امتصاص ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي، التي لا تزال في بداياتها، إلى اهتمام كبير.5

يُجادل محرّرو «دليل إزالة ثاني أكسيد الكربون» بأنه بينما ينبغي إعطاء الأولوية لخفض الانبعاثات، يجب نشر إزالة ثاني أكسيد الكربون بالتزامن مع ذلك، لأن بعض الصناعات لن تتمكن من الوصول إلى النقطة صفر «حتى مع بذل جهد عالمي هائل لخفض تلوث المناخ».

كل طن من الفحم الذي نحرقه يترك غاز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي. وسيظل ثاني أكسيد الكربون الناتج عن ربع هذا الطن يؤثر على المناخ بعد ألف عام من الآن

«يتطلب حجم هذه الانبعاثات استثماراً هائلاً في إزالة ثاني أكسيد الكربون، يُرجّح أن يصل إلى مليارات الأطنان من ثاني أكسيد الكربون التي تُزال سنوياً بحلول منتصف القرن. وسيتعين إزالة كميات أكبر لخفض تركيزات الغلاف الجوي من ذروتها بعد أن نصل إلى صافي انبعاثات عالمي صفري».6

قد يكون هذا ما نحتاجه، ولكن ما هو الممكن فعلياً؟ إذا استمرّت انبعاثات غازات الاحتباس الحراري البشرية المنشأ، فسترتفع درجات الحرارة ما لم تُقابل زيادات التركيزات بعمليات إزالة مليارات الأطنان من الغاز سنوياً. بغض النظر عن العوائق الواضحة المتمثلة في السياسة والتكلفة، ما هي المتطلبات الفيزيائية التي يجب استيفاؤها لتنجح عملية إزالة ثاني أكسيد الكربون في إيقاف أو (الأفضل) عكس الغليان العالمي؟

تُقدم دراسة علمية مُحكَّمة نُشرت في كانون الثاني/يناير بعنوان «إزالة ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي: منظور علمي فيزيائي» من قِبل الجمعية الفيزيائية الأميركية، إجابةً موثوقةً على هذا السؤال، وهي غير مُشجِّعة.7 وبصرف النظر عن مشاكل تخزين ثاني أكسيد الكربون المُحتَجز لآلاف السنين، والتي لم تُعالجها الدراسة، فإن حجم المشكلة محظور.

إن تقنيات احتجاز ثاني أكسيد الكربون في مصافي النفط، حيث يكون الغاز مُركَّزاً للغاية، محدودة. ويُستخدم ثاني أكسيد الكربون غالباً في «الاستخلاص المُحسَّن للنفط»، ما يُؤدي إلى إخراج المزيد من النفط الذي ينبعث منه الكربون من الأرض.

من ناحية أخرى، تُعتبر تقنيات إزالة ثاني أكسيد الكربون من الهواء الطلق جديدة وغير مُختَبَرة. لا يوجد سوى بضع عشرات من أنظمة التشغيل، وجميعها صغيرة الحجم مقارنة بالمهمة الموكلة إلينا. يدرس مؤلفو تقرير الجمعية الفيزيائية الأميركية 12 تقنية مقترحة، مع التركيز بشكل خاص على إمكانية التوسع - إلى أي مدى يمكن أن يصل حجمها؟ في حين أن أياً منها غير كافٍ اليوم، يبدو أن 3 منها واعدة: التقاط الهواء المباشر، والالتقاط البيولوجي للكربون، وتحسين تجوية الصخور.

التقاط الهواء المباشر

يحظى التقاط الهواء المباشر بأكبر قدر من التغطية الإعلامية. من المرجح أنك شاهدت صوراً لمحطات تجريبية مزودة بمراوح عملاقة تنفث الهواء عبر مرشحات كيميائية تمتص ثاني أكسيد الكربون. عند تشبع المرشحات، يُستخرج ثاني أكسيد الكربون، وتُعاد استخدام المادة الكيميائية.

يُعد مشروع Climeworks في أيسلندا أكثر منشآت التقاط الهواء المباشر شهرة، حيث توقَعَ مؤسّسه أنه سيلتقط 1% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون السنوية في العالم بحلول العام 2025. وقد باع المشروع آلافاً من «اعتمادات إزالة الكربون» بقيمة 250 دولاراً أميركياً شهرياً، ويُفترض أن كل منها يُمثل ربع طن (250 كيلوغراماً) من ثاني أكسيد الكربون المُلتقط.[8] في الواقع، وكما أظهر تقرير استقصائي نُشر في صحيفة Heimildin الأيسلندية في حزيران/يونيو 2025، فقد التقط المشروع 2,400 طن فقط إجمالاً منذ العام 2021، وانبعاثاته الخاصة أعلى بكثير من ذلك.8

وللإنصاف، فإن التحدي التقني الذي يواجه التقاط الهواء المباشر هائل. إن تركيز ثاني أكسيد الكربون البالغ 429 جزءاً في المليون كافٍ لتغيير مناخ العالم بشكل كبير، ولكنه من حيث القيمة المطلقة يمثل جزءاً ضئيلاً من الغلاف الجوي - حيث يشكل ثاني أكسيد الكربون 0.062% فقط من وزن الهواء، و0.04% فقط من حجمه. ولإزالة طن واحد من ثاني أكسيد الكربون، يتعين على نظام التقاط الهواء المباشر عالي الكفاءة معالجة 2,000 طن من الهواء.9 وكما يشير تقرير الجمعية الأميركية للفيزياء، إذا جهّزنا كل وحدة تكييف هواء في العالم بأجهزة تمكّن من التقاط ثاني أكسيد الكربون بالكامل في الهواء المتدفق من خلالها، فإنها ستزيل أقل من مليار طن سنوياً.10 إن تثبيت درجة الحرارة العالمية يتطلب أكثر من 15 ضعفاً من المعدات؛ أما خفض الحرارة فسيتطلب أكثر من ذلك بكثير.

قيل لنا إن التكنولوجيا ستتحسن بمرور الوقت - انظر فقط إلى التحسينات الهائلة في أشباه الموصلات، على سبيل المثال - لكن تقنية التقاط الهواء المباشر تواجه قيداً لا تواجهه أجهزة الكمبيوتر: القانون الثاني للدينامية الحرارية. صاغ هذا القانون الفيزيائي الألماني رودولف كلاوسيوس للمرة الأولى في العام 1850، وينص على أن جميع الأنظمة تصبح أكثر اضطراباً بمرور الوقت. تزداد الإنتروبيا (الاضطراب) والطريقة الوحيدة لعكسها هي إضافة طاقة من الخارج. هذا ليس مجرد تكهنات، بل هو قانون فيزيائي راسخ كأي قانون تم اكتشافه على الإطلاق. لا توجد استثناءات.

تجاوز الحد الأدنى البالغ 1.5 درجة مئوية لا يُدمر الكوكب فحسب، ولكنه حكمٌ بالإعدام على بعض الناس، وأساليب الحياة، والنظم البيئية، وحتى الدول. 

جزيئات ثاني أكسيد الكربون في الهواء شديدة الاضطراب، متناثرة عشوائياً بين جزيئات أكبر بكثير من النيتروجين والأكسجين والغازات الأخرى. يسمح القانون الثاني للدينامية الحرارية للفيزيائيين بحساب دقيق لمقدار الطاقة اللازمة لالتقاط جميع جزيئات ثاني أكسيد الكربون في كمية معينة من الهواء ودمجها في مكان واحد.

ينطبق هذا الحساب بغض النظر عن التقنية المستخدمة، لأننا نقيس مقدار الطاقة الزائدة في الناتج المدمج فحسب بالمقارنة مع ثاني أكسيد الكربون الجوي غير المنظّم. هذا هو الحد الأدنى من الطاقة الخارجية اللازمة لعملية فعالة تماماً. تتطلب العمليات الواقعية المزيد، وعادةً ما تكون أكثر بكثير.

لحسن الحظ، لمن يكرهون المعادلات، قام مؤلفو الجمعية الأميركية للفيزياء بالحساب نيابة عنا. تتطلب إزالة طن واحد من ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي، في نظام مثالي، 120 كيلوواط/ساعة من الطاقة. قال أحدهم ذات مرة إن القانون الثاني لا يخبرك بما يمكنك فعله، بل يخبرك بما لا يمكنك فعله. في هذه الحالة، لا يعني القانون أنه يمكنك التقاط طن من ثاني أكسيد الكربون باستخدام 120 كيلوواط، بل يعني أنه لا يمكنك فعل ذلك بكمية أقل، بغض النظر عن التكنولوجيا المستخدمة.

وعند توسيع نطاقه، يعني ذلك أن إزالة مليار طن سنوياً تتطلب ما لا يقل عن 14 مليار واط من الكهرباء، على مدار 24 ساعة يومياً، طوال العام، والتي تأتي معظمها اليوم من محطات توليد الطاقة التي ينبعث منها ثاني أكسيد الكربون. واقعياً، يتطلب إزالة ثاني أكسيد الكربون غير المثالي ما بين 3 إلى 10 أضعاف هذه الكمية من الطاقة لإزالة مليار طن - وهو ما يكفي لتشغيل مدينة نيويورك مرات عدّة، مع إضافة أطنان من ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي. إن إزالة مئات المليارات من الأطنان اللازمة فعلياً لإعادة درجة حرارة الأرض إلى مستويات ما قبل الصناعة تتطلب جزءاً كبيراً جداً من إمدادات الطاقة العالمية - لدرجة أنها ستحد من قدرتنا على تنفيذ برامج أخرى تتطلب كميات كبيرة من الطاقة، بما في ذلك إطعام الأطفال ومكافحة الأمراض الوبائية.

لكي لا تكون مساهمة تقنية التقاط الهواء المباشر في خفض مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي هامشية، يجب أن تكون هناك تحسينات هائلة في تقنية التقاط الهواء المباشر نفسها، وقفزات نوعية في سعة وكفاءة أنظمة الطاقة الشمسية، بحيث يمكن لكل منشأة لالتقاط الهواء المباشر أن تمتلك محطة طاقة شمسية عالية الإنتاجية وخالية من الكربون. وبما أنه من غير المرجح أن يحدث أي منهما في الوقت المناسب لمنع الاحتباس الحراري الخطير، فإن أياً منهما لا ينتمي إلى خطط الوقاية من تغير المناخ الحالية.

الطاقة الحيوية مع التقاط الكربون وتخزينه

هل يمكننا تجاوز حد القانون الثاني باستخدام الطاقة الطبيعية لفترة أطول؟ على سبيل المثال، ثمة حماس في بعض الأوساط لاستخدام الطاقة الحيوية مع احتجاز الكربون وتخزينه، والذي يتضمن زراعة المحاصيل أو الأشجار، ثم حرقها لإنتاج الكهرباء مع احتجاز ثاني أكسيد الكربون المنبعث ودفنه. تزيل الأشجار ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي بشكل طبيعي باستخدام طاقة الشمس (وهي مصدر مجاني وغير محدود في الأساس)، وسيكون احتجاز ثاني أكسيد الكربون عند الحرق أسهل لأنه سيكون شديد التركيز.

تقول أكبر عملية في العالم قائمة على هذه التقنية، وهي محطة دراكس للطاقة في بريطانيا، إنها ستلتقط 8 ملايين طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً بحلول العام 2030، أي حوالي 3% من انبعاثات بريطانيا السنوية، ولكن هذا تضليل. لا تحرق دراكس الأشجار المزروعة خصيصاً في بريطانيا - بل تستورد وتحرق حبيبات الخشب المصنعة في الخارج، بما في ذلك مئات الآلاف من الأطنان سنوياً المصنوعة من الغابات القديمة في وسط كولومبيا البريطانية.11 بعبارة أخرى، «تلتقط» دراكس ثاني أكسيد الكربون الذي تم تخزينه بالفعل في بعض من أروع غابات العالم.

والأهم من ذلك، أن محطة دراكس نفسها هي أكبر مصدر لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون في بريطانيا، حيث تضخ 12 مليون طن في الغلاف الجوي كل عام. تمنحها قواعد المحاسبة الدولية للكربون تصريحاً مجانياً، على أسس زائفة بأن الغابات ستنمو مرة أخرى، لذا فإن خشبها وقود متجدّد. بصرف النظر عن هذه الحيل، يشير تقرير الفيزيائيين إلى أنه بالنسبة إلى هذه التقنية التي تنمّي أشجاراً جديدة بالفعل، فإن «انخفاض كفاءة التمثيل الضوئي في تحويل الطاقة إلى كتلة حيوية... يعني الحاجة إلى مساحات شاسعة من الأراضي.... وسيُنافس هذا الاستخدام للأراضي جهود الزراعة والتنوع البيولوجي القائمة.»12

وفي سيناريوهات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، للحفاظ على ارتفاع درجة الحرارة العالمية دون 1.5%، والتي تشمل هذه التقنية، ستشغل محاصيل الطاقة ما لا يقل عن 20% من إجمالي الأراضي الصالحة للزراعة في العالم بحلول العام 2050، وأكثر من ذلك بكثير إذا كانت هذه التقنية هي الطريقة الأساسية المُستخدمة. وقد أشار دعاة حماية البيئة إلى أن مثل هذا التغيير الهائل في استخدام الأراضي من شأنه أن يُهدد «سلامة الكوكب في مجالات أخرى غير تغير المناخ».13 ففي كل خطوة - الزراعة، والتسميد، والحصاد، والنقل، والحرق، والدفن - تصدر هذه التقنية غازات دفيئة خاصة به. يقدّر مجلس الدفاع عن الموارد الوطنية أنه في حال المضي قدماً في الخطط الحالية، فمن المتوقع بحلول العام 2040 أن «تتجاوز انبعاثات تقنية التقاط الكربون وتخزينه وحدها إجمالي انبعاثات بريطانيا من جميع المصادر الأخرى».14

باختصار، ستُلحق تقنية التقاط الكربون وتخزينه ضرراً بيئياً أكبر من نفعها. وقد أبلغ المجلس الاستشاري العلمي للأكاديميات الأوروبية الاتحاد الأوروبي مؤخراً بما يلي:

«لا يزال دور الطاقة الحيوية مع التقاط الكربون وتخزينه مرتبطاً بمخاطر وشكوك كبيرة، سواء فيما يتعلق بتأثيرها البيئي أو بقدرتها على تحقيق إزالة صافية لثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي. ولا تدعم التحليلات الحديثة قدرة الانبعاثات السلبية الكبيرة الممنوحة لتقنية التقاط الكربون وتخزينه في سيناريوهات المناخ التي تحد من الاحترار إلى 1.5 أو درجتين مئويتين»

إزالة مليار طن سنوياً تتطلب ما لا يقل عن 14 مليار واط من الكهرباء، على مدار 24 ساعة يومياً، طوال العام، والتي تأتي معظمها اليوم من محطات توليد الطاقة التي ينبعث منها ثاني أكسيد الكربون.

«قد يُسهم نشر تقنية التقاط الكربون وتخزينه على النطاق المُدرج في نماذج الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) في التخفيف من آثار تغير المناخ، ولكن على حساب تجاوز الحدود الكوكبية المتعلقة بسلامة المحيط الحيوي، واستخدام الأراضي، والتدفقات الكيميائية الحيوية، مع تقريب استخدام المياه العذبة من حدودها...» تظل تقنية التقاط الكربون وتخزينه مرتبطة بمخاطر كبيرة وعدم يقين، سواء فيما يتعلق بتأثيرها البيئي أو قدرتها على تحقيق إزالة صافية لثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي.15

التجوية الصخرية المُحسَّنة

في دورة الكربون البطيئة، وهي جزء أساسي من عملية التمثيل الغذائي لنظام الأرض لمئات الملايين من السنين، تتحد الصخور المكشوفة مع ثاني أكسيد الكربون الجوي لتكوين معادن مستقرة لا تؤثر على المناخ. تزيل عملية التجوية هذه بشكل طبيعي حوالي مليار طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً، وهي أحد العوامل التي أبقت الاحتباس الحراري أقل مما كان يمكن أن تُسببه الانبعاثات الإجمالية.

قُدِّمت مقترحات لتسريع العملية عن طريق طحن أطنان من الصخور إلى جزيئات صغيرة، يبلغ عرضها حوالي خُمس شعرة الإنسان المتوسطة، ونشرها على مساحات شاسعة من الأرض. سيؤدي ذلك إلى زيادة كبيرة في أسطح الصخور المكشوفة، ويأمل بعض العلماء أن يزيد بشكل كبير من كمية ثاني أكسيد الكربون المُزالة. بما أن الولايات المتحدة ودولاً أخرى تُعدّن وتنقل بالفعل كميات كبيرة جداً من الصخور الأرضية لأغراض أخرى، فلن تكون هناك حاجة إلى تقنية جديدة. يتطلب الأمر مساحة شاسعة من الأرض - تُقدر بمليون كيلومتر مربع لإزالة مليار طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً - ولكن على عكس تقنية إزالة الكربون وتخزينه فهي ليست استخداماً حصرياً. يمكن أن يكون للصخور الأرضية تأثيرات تخصيبية، لذا يمكن نشرها على الأراضي الزراعية الحالية، اعتماداً على خصائص التربة المحلية.

من المهم ملاحظة أنه لا يمكن استخدام الصخور الأرضية إلا مرة واحدة: للحفاظ على فعالية عملية الإزالة، سيتعين استخراج مليارات الأطنان من الصخور الإضافية وطحنها ونقلها ونشرها كل عام. لم يتم القيام بأي شيء قريب من هذا النطاق من قبل، وحتى لو جُرِّب، لا أحد يعرف كم من الوقت قد تستغرق الإزالة، أو كيفية قياس النتائج.

طريق مسدود

في تشرين الأول/أكتوبر 2018، واستجابة لطلب من مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ الذي اعتمد اتفاقية باريس، نشرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) تقريراً خاصاً عن الاحتباس الحراري. وخلص التقرير إلى أن الانبعاثات حتى ذلك التاريخ لم تكن كافية للتسبب في زيادة قدرها 1.5 درجة مئوية. ولكن «الافتقار إلى التعاون العالمي، والافتقار إلى حوكمة التحول المطلوب في الطاقة والأراضي، والزيادات في الاستهلاك المكثف للموارد» يعني أن الانبعاثات ستستمر، ما يؤدي حتماً إلى ارتفاع درجة الحرارة.16 وبقبول أن التخفيضات الفورية أو السريعة للغاية لن تحدث، طوّر المؤلفون سلسلة من السيناريوهات البديلة، والتي تتطلب جميعها استخداماً لإزالة ثاني أكسيد الكربون للتعويض عن الفشل.

تفترض معظم السيناريوهات تجاوزاً للحد الأقصى، أي ارتفاع درجة الحرارة العالمية بما يتجاوز 1.5 درجة مئوية أو درجتين لفترة من الوقت، يجب خفضه من خلال «إزالة ثاني أكسيد الكربون على نطاق واسع افتراضياً». ولمنع تجاوز الحد الأقصى تماماً، يشير ملخص التقرير لصانعي السياسات إلى أن إزالة ثاني أكسيد الكربون تتطلب إزالة ما بين 100 و1,000 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون بحلول العام 2100. وبالنظر إلى التقرير نفسه، يبدو أن المتطلبات الفعلية ستكون على الأرجح قريبة من الحد الأقصى لهذا النطاق.

هذا الاعتماد على إزالة ثاني أكسيد الكربون على نطاق واسع جداً يُثير تساؤلات عن مدى صحة السيناريو بأكمله. كما يُقرّ التقرير: «هناك غموضٌ يكتنف مستقبل نشر تقنيات احتجاز الكربون وتخزينه، نظراً لمحدودية وتيرة النشر الحالية... لا توجد تقنية مُقترحة قريبة من النشر على نطاق واسع، ولم تُرسَ أطر تنظيمية بعد. وهذا يُحدّ من إمكانية تطبيقها بشكل واقعي... هناك غموضٌ كبيرٌ بشأن الآثار السلبية لنشر تقنيات إزالة ثاني أكسيد الكربون على نطاق واسع على البيئة وأهداف التنمية المستدامة المجتمعية.»17

كان ذلك في العام 2018. وبعد 7 سنوات، لا توجد عملياتٌ فعّالةٌ لتقنية التقاط الكربون وتخزينه، ولم تبدأ عمليات خفض الانبعاثات الموازية التي تضمنتها سيناريوهات الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC) بعد، وليست في الأفق. لقد فقد الخيار المُفضّل في تقرير الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، وهو تقنية تخزين الكربون، ما كان يتمتع به من مصداقية آنذاك، ولم يتطوع أحدٌ لطحن ونشر غبار الصخور.

والأدهى من ذلك، أنه حتى لو أمكن التقاط كمياتٍ أكبر من ثاني أكسيد الكربون ودفنها، فلا توجد طريقةٌ مضمونةٌ لمنع تسربه إلى الغلاف الجوي، سواءً من خلال التسرب التدريجي أو الاضطراب المفاجئ.18 ويُشدّد تقريرٌ آخر للهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ على أن «تخزين ثاني أكسيد الكربون ليس بالضرورة دائماً». ثاني أكسيد الكربون المُخزّن في الغلاف الحيوي الأرضي عُرضة لاحتمالية إطلاقه مستقبلاً، على سبيل المثال، في حال اندلاع حرائق غابات، أو تغيير في ممارسات إدارة الأراضي، أو تسبّب تغيّر المناخ في عدم استدامة الغطاء النباتي. على الرغم من اختلاف مخاطر فقدان ثاني أكسيد الكربون من الخزانات الجيولوجية المُختارة بعناية، إلا أن هذه المخاطر قائمة.

يزداد خطر التسربات عند ضخّ ثاني أكسيد الكربون في الآبار القديمة لإخراج النفط المتبقي، ثم تركه تحت الأرض - وليس في «خزانات جيولوجية مُختارة بعناية». تذكّروا التاريخ الطويل لصناعة النفط في التهرّب من الآبار المُستنزفة من دون سدها أو مراقبة التسربات والانبعاثات المستمرة.

بالنسبة إلى شركات الوقود الأحفوري، يُعدّ إبقاء إزالة ثاني أكسيد الكربون على جدول أعمالها كحلّ موثوق لتغيّر المناخ بمثابة ورقة نجاة. فبدلاً من وقف الانبعاثات، يَعِدون باحتجازها ودفنها. ليس الآن، بل يوماً ما. وكما قالت الرئيسة التنفيذية لشركة أوكسيدنتال بتروليوم في مؤتمرٍ لزملائها العام 2023: «نعتقد أن تقنية الالتقاط المباشر لدينا ستكون التقنية التي تُساعد في الحفاظ على صناعتنا بمرور الوقت. وهذا يمنح صناعتنا ترخيصاً لمواصلة العمل لمدة 60 أو 70 أو 80 عاماً، وهو ما أعتقد أنه سيكون ضرورياً للغاية».19

قبل بضعة أشهر، حذّر برنامج الأمم المتحدة للبيئة من ضرورة خفض الانبعاثات العالمية بنسبة 42% بحلول العام 2030 و57% بحلول العام 2035 للحفاظ على ارتفاع درجة الحرارة دون 1.5 درجة مئوية.20ويتطلب تحقيق ذلك، أو أي شيء قريب منه، برنامج عمل طارئ لوقف جميع عمليات استخراج الوقود الأحفوري الجديدة، والتخلص التدريجي السريع من مصادر الانبعاثات الرئيسة. وهذا هو ما يجب أن ينصب عليه تركيزنا الآن، وليس على تقنيات المضاربة التي قد تنجح يوماً ما، وفي الوقت الحالي أصبحت تُعطي المُلوِّثين ذريعةً لمواصلة التلويث.

نُشِر هذا المقال في 29 حزيران/يونيو في Climate & Capitalism. 

  • 1

    https://keelingcurve.ucsd.edu    

  • 2

     مشروع الكربون العالمي، «إحاطة حول الرسائل الرئيسة لميزانية الكربون العالمية 2024»، بيان صحفي، 13 تشرين الثاني/ نوفمبر2024. أضافت الزراعة وتغير استخدام الأراضي وصناعة الأسمنت نحو 8 مليارات طن إضافية.

  • 3

    الأمم المتحدة، «شهر تموز/ يوليو الأكثر حرارة على الإطلاق يُشير إلى «بداية عصر الغليان العالمي» كما يقول الأمين العام للأمم المتحدة»، بيان صحفي، 27 تموز/ يوليو2023، https://news.un.org/en/story/2023/07/1139162

  • 4

    ديفيد آرتشر، الذوبان الطويل: كيف يُغير البشر مناخ الأرض خلال المئة ألف عام القادمة، (مطبعة جامعة برينستون، 2016) ، الصفحة 1.

  • 5

    «العالم يُخفق في تحقيق أهدافه المناخية النبيلة. حان الوقت لبعض الواقعية». افتتاحية، مجلة الإيكونوميست، 3 تشرين الثاني/ نوفمبر2022.

  • 6

    ج. ويلكوكس، ب. كولوش، وج. فريمان، محررو «دليل CDR التمهيدي»، 2021، https://cdrprimer.org/

  • 7

    واشنطن تايلور، روبرت روزنر، براد مارستون، وجوناثان س. ورتيلي، «إزالة ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي: منظور علمي فيزيائي»، (الجمعية الفيزيائية الأميركية، 2025).

  • 8

    بيارتمار أودور شير ألكسندرسون وبيارتمار أودور شير ألكسندرسون، «احتجاز كلايم ووركس يفشل في تغطية انبعاثاته». هايميلدين، ١٥ أيار/ مايو 2025

  • 9

    حساب أجراه آتيش بهاتيا في مدونة «معدل التغير» الممتازة، ٢٨ تشرين الأول/ أكتوبر 2020.

  • 10

    الجمعية الفيزيائية الأميركية، «APS تصدر تقريراً عن إزالة ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي»، بيان صحفي، 27 كانون الثاني/ يناير 2025.

  • 11

    جو كراولي، «دراكس: محطة توليد الطاقة في المملكة المتحدة لا تزال تحرق أخشاب الغابات النادرة»، بي بي سي، 28 شباط/ فبراير 2024.

  • 12

    تايلور وآخرون، CDR في الغلاف الجوي، 14.

  • 13

    فيليكس كروتزيغ وآخرون، «دراسة عتبات الاستدامة لـ BECCS في تقييمات IPCC والتنوع البيولوجي»، GCB Bioenergy، شباط/ فبراير 2021.

  • 14

     مات ويليامز وإيلي بيبر، خدعة BECCS، مجلس الدفاع عن الموارد الوطنية، 2024، ٤.

  • 15

    المجلس الاستشاري العلمي للأكاديميات الأوروبية، «الطاقة الحيوية للغابات، واحتجاز الكربون وتخزينه، وإزالة ثاني أكسيد الكربون: تحديث»، تعليق EASAC، شباط/ فبراير 2019، 2، 6.

  • 16

    الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، تقرير خاص: الاحتباس الحراري بمقدار 1.5 % (2018) ، 95.

  • 17

     المرجع نفسه، 158.

  • 18

    قُدِّم اقتراح بأن ثاني أكسيد الكربون المدفون في الصخور فوق المافية سيشكل معادن كربوناتية صلبة لا يمكنها التسرب. هذا أمر مُشجِّع، ولكنه لم يتجاوز الاختبارات الصغيرة. [21] الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ، تقرير خاص: احتجاز ثاني أكسيد الكربون وتخزينه (2005)، ص 373.

  • 19

    نقلاً عن كوربين هيار، «شركات النفط تريد إزالة الكربون من الهواء - باستخدام أموال دافعي الضرائب»، أخبار الطاقة والبيئة، 13 تموز/ يوليو2023.

  • 20

    لأمم المتحدة، «حان وقت أزمة المناخ»، تقرير جديد للأمم المتحدة يحذر، بيان صحفي، 24 تشرين الأول/ أكتوبر2024.