Preview air pollution

كيف تغيّرت جودة الهواء في أكثر من 100 دولة منذ العام 1850؟

يُعدّ تلوّث الهواء خطراً غير مرئي، يطرح تهديدات جدّية على صحة الإنسان والمناخ. لقد وضعنا خطوط جودة الهواء، كأداة بصرية تلتقط الاتجاهات العالمية لتلوّث الهواء، للإضاءة على التهديدات الخفية ووضعها تحت المجهر.

استوحينا خطوط جودة الهواء من خطوط احتباس المناخ الحراري التي وضعها أستاذ علم المناخ إيد هاوكين، والتي تصوّر مستويات الجسيمات العالقة (PM) في 176 مدينة في العالم منذ عام 1850. إذ يمكن لهذه الجسيمات الصغيرة، وهي غالباً أصغر من واحد على ثلاثين من عرض شعرة الإنسان، أن تدخل عميقاً في الرئتين مسببة مخاطر صحية جدية.

توفّر الخطوط، عبر تحويل تلوّث الهواء إلى رسم بصري، وسيلة واضحة لمعرفة كيف تطوّرت جودة الهواء على مرّ الزمن في مناطق مختلفة من العالم. 

تكشف هذه الخطوط الجديدة عن تناقض صارخ بين تحسّن ملحوظ في جودة الهواء في أوروبا وتدهور مثير للقلق في أنحاء من إفريقيا وآسيا الوسطى. إذ أصبحت مدن مثل لندن وبروكسيل وبرلين تتمثّل بخطوط من اللون الأزرق الفاتح، مشيرة إلى انخفاض جوهري في مستويات الجسيمات العالقة PM. ويعكس هذا التحسّن إجراءات أكثر صرامة بشأن جودة الهواء وتحسّناً في تخفيض الانبعاثات. 

في المقابل، تُصوَّر مدن في وسط آسيا وإفريقيا، مثل إسلام آباد ودلهي ونايروبي، بالخطوط الغامقة اللون، مؤشّرة على مستويات مقلقة من التلوّث. يفاقم كلّ من التمدّن السريع والنموّ الصناعي والإجراءات المحدودة في هذه المناطق من مشاكل جودة الهواء، علماً أنّ سكّان المناطق الأكثر فقراً غالباً ما يتعرّضون لِمستويات أعلى من التلوّث

إسلام آباد، باكستان

في العام 2021، أصدرت منظمة الصحة العالمية إرشادات توجيهية جديدة بخصوص جودة الهواء، وكشفت أنّ أكثر من 99% من سكان العالم يعيشون فوق المستويات (مستويات التلوّث) الموصى بها. تلخّص خطوط جودة الهواء، وبوضوح، الحاجة الملّحة لتوجيه الجهود العالمية لمعالجة أزمة التلوّث.

يوفّر بناء خطوط جودة الهواء ما هو أكثر من مجرّد عرض للاتّجاهات، هو يلتقط التعقيدات التي تحملها قضية تلوّث الهواء. مع العلم أنّ جسيمات PM تنشاً من مصادر طبيعية كما من مصادر يصنعها البشر

تسبق المصادر الطبيعية، مثل غبار الصحراء وحرائق الغابات والنشاط البركاني، الثورة الصناعية. في حين الأنشطة البشرية مثل الصناعة والزراعة وانبعاثات المركبات هي مساهم أساسي في خلق هذه المواد، خصوصاً في المناطق الحضرية.

لقد لاحظنا أثر المصادر الطبيعية في بعض المناطق. على سبيل المثال، تُظهر المناطق الساحلية، مثل جاكارتا، مستويات أقل من المتوقّع من الجسيمات، غالباً بسبب نسيم البحر. في حين تشهد المناطق القريبة من الصحراء أو المعرّضة بشكل متكرّر لحرائق الغابات مستويات أعلى من هذه الجسيمات، والتي يُظهرها الرسم البياني باللون الأغمق.

جاكارتا، أندونيسيا

ارتفعت معدّلات الوفيات الناجمة عن جسيمات PM بنحو 93% بين عامي 1990 و2021، ففي الوقت الذي تتحسّن فيه العوامل الأخرى المؤثّرة في معدّلات الوفيات، تتفاقم أزمة تلوّث الهواء.

إحدى الجوانب الملفتة في خطوط جودة الهواء هو امتدادها التاريخي. لقد جمعنا بيانات من عمليات محاكاة حاسوبية وعمليات رصد الأقمار الاصطناعية لتقدير مستويات الجسيمات العالقة PM في وقت الثورة الصناعية. يُعد هذا المنظور طويل المدى أمراً بالغ الأهمية في فهم تأثير النشاط البشري على جودة الهواء على مر القرون.

غير أنّ هذا التحليل التاريخي يطرح بعض التحديات. إذ تتّسم البيانات المبكرة بأنها متفرّقة وغالباً ما تكون تستند على المرويات المحكية. لذلك، وعلى سبيل المثال، وضعنا تقديراً لِمستويات الجسيمات في الهواء من تحليل رسومات كلود مونيه التي تصوّر سماء لندن المحمّلة بالضباب الدخاني في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين.

PreviewMcQuaidPringleIllingworth_AirPollution_QQ_SM_SIFR_Sept2024

رسم لمدينة لندن يكسوها الضباب في أواخر القرن التاسع عشر - كلود مونيه 

وفّرت هذه التفسيرات الفنية سياقاً قيّماً، لكنها أيضاً أضاءت على محدودية السجلات المتوفرة حول جودة الهواء في المرحلة المبكرة. في حين نملك الآن ملايين التسجيلات المفصّلة من الأقمار الاصطناعية التي تُظهر مستويات التلوّث وأنماط الطقس التي تنقل هذا التلوّث في العالم، إلّا أنّها تبقى معلومات حديثة نسبياً.

لندن، بريطانيا

لا بدّ لنا من الاعتماد على لوائح جرد الانبعاثات التاريخية كنقطة انطلاق فيما يتعلّق بالبيانات المبكرة، ذلك لوضع صورة سنوية عن مستويات الجسيمات. يتمّ استخدام قاعدة البيانات هذه لمحاكاة الجيل الحالي من النماذج المناخية.

ألوان التلوّث

كان اختيار نظام الألوان تحدّياً رئيساً لما يعنيه ذلك من تمثيل دقّة البيانات. اخترنا التدرّج من لون الأزرق الفاتح إلى اللون الأسود. اللون الأزرق الفاتح يمثّل الهواء النظيف في حين يشير اللون الأسود إلى مستويات عالية من التلوّث. لقد تعاونّا مع خبير في بصريات (التصوّر)، إيثان براين، الذي حلّل أكثر من 200 صورة موجودة على الإنترنت تحت وسم "تلوّث الهواء" لوضع لوحة الألوان الأكثر ملاءمة. 

كانت النتيجة البصرية، في الوقت نفسه، دقيقة علمياً وسهلة القراءة بالنسبة للجميع. كما ساعد ريتشارد ريغبي، مهندس برمجيات البحث من «مركز النمذجة والحوسبة البيئية» في جامعة ليدز، في إحياء الخطوط عبر موقع تفاعلي. هذه الخطوط تُحيل بيانات معقّدة إلى بنية مفهومة بشكل فوري، ما يساعد في زيادة المعرفة حول الحالة العالمية لجودة الهواء. 

خطوط جودة الهواء هي أكثر من مجرّد بيانات بصرية. هي دعوة لأخذ إجراءات عملية. نأمل، في محاولتنا لجعل تلوّث الهواء بصري، بأن نسلّط الضوء على هذه الأزمة ونواجه التحديات القائمة. تذكّرنا التناقضات الصارخة بين المناطق بغياب فاضح للمساواة البيئية. في حين تتنفّس بعض أجزاء العالم بسهولة، تواجه أجزاء أخرى بيئة أكثر تلوّثاً. 

يتوقْف التحوّل نحو صافي صفر على الابتعاد عن استخدام الوقود الأحفوري في النقل وتوليد الطاقة. الأمر الذي سوف يرفع بشكلٍ كبيٍر تحسّن جودة الهواء.

نُشِر هذا المقال في The Conversation في 23 آب/أغسطس 2024 بموجب رخصة المشاع الإبداعي، وتُرجِم إلى العربية ونُشر في موقع «صفر».