Preview تلوّث الهواء يقتل 8.1 مليون شخصاً سنوياً

تلوّث الهواء يقتل 8.1 مليون شخصاً سنوياً

كل طفل دون الخامسة يموت في العالم، سوف يُشتبه بأن يكون تعرّضه لتلوّث الهواء - بعد احتمال سوء التغذية - هو السبب الرئيسي لوفاته. أما لدى الكبار، فيُمثّل تلوث الهواء أيضاً السبب الرئيسي الثاني للوفاة بعد الإصابة بضغط الدم، وتُشير إحصائيات العام 2021، الصادرة حديثاً عن مبادرة State of Global Air، إلى أن وفاة واحدة من كل 8 حالات وفاة سببها التعرّض لتلوث الهواء الذي حصد حيوات نحو 8.1 مليون شخص، علماً أن نحو 135 مليون وفاة بسبب تلوث الهواء سجلت خلال العقود الأربعة الماضية عبر التسبب في أمراض القلب والرئة والسكتات الدماغية وغيرها.

8.1 مليون وفاة بسبب تلوّث الهواء في 2021

تقول منظمة الصحة العالمية، إنه لا يوجد منطقة مأهولة  في العالم لا يتعرّض سكانها لمستويات ضارة من الجسيمات الملوثة في الهواء. وتشير تقديراتها إلى أن 99% من سكان العالم يتعرّضون لمستويات ضارة من مادة الـ PM2.5 التي تحتوي على ملوثات مثل الكبريتات والنترات والكربون الأسود وتُشكّل أكبر المخاطر على صحة الإنسان. لكن في المُقابل، يتضّح أن الثمن الأكبر تدفعه البلدان الفقيرة والمتوسطة الدخل الأقل تسبباً في تلوث الهواء والأقل استعداداً لمواجهة تداعيات ذلك التلوّث. وبالفعل يقول تقرير مبادرة State of Global Air إنّ معدّلات التعرّض للهواء الملوّث يزيد بين مرّة وأربعة أضعاف في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل مقارنة مع البلدان المرتفعة الدخل.

ومن المعلوم أن مصادر تلوّث الهواء تأتي بالدرجة الأولى من عمليات حرق الوقود الأحفوري (السيارات والمصانع والآليات) التي تؤدي إلى مزيد من انبعاثات الغازات الدفيئة التي تؤجّج أزمة المناخ، فيما تُشير المعطيات إلى أن تلوث الهواء يتفاقم مثلاً مع مواسم الجفاف وموجات الحرّ الناتجة بدورها عن التغيّر المناخي. وعليه، تتلاقى التهديدات التي يفرضها الهواء الملوّث مع تلك التي تخلقها أزمة المناخ. على سبيل المثال، تقود ظاهرة النينو إلى ارتفاع أعداد الوفيات بسبب زيادة تلوث الهواء بمادة الـpm2.5. 

هكذا، تعاني بلدان جنوب آسيا وشرق وغرب ووسط وجنوب أفريقيا من العبء الأكبر من الأمراض المرتبطة بتلوّث الهواء، وتمثّل الهند (2.1 مليون حالة وفاة) والصين (2.3 مليون حالة وفاة) معاً نحو 54% من إجمالي عبء المرض العالمي. وتشمل البلدان الأكثر تأثراً في جنوب وجنوب شرق آسيا كل من باكستان (256 ألف وفاة)، ومينامار (101 ألف و600 وفاة)، وبنغلاديش (236 ألف و300 وفاة)، وفيتنام (99 ألف و700 وفاة)، والفلبين (98 ألف و209 وفاة). كذلك بالنسبة لبعض الدول الأفريقية التي سجّلت معدلات مرتفعة في الوفيات مثل نيجيريا (206 ألف و700 حالة وفاة)، ومصر (221 ألف و600 حالة وفاة).

أيضاً تعد الوفيات الناتجة عن مشاكل في أجهزة التنفس التي تعزى إلى تلوث الهواء هي الأعلى في بلدان أفريقيا وآسيا، وقد سُجلت أعلى معدلات الوفيات الناجمة عن الأمراض التنفسية في كل من تشاد (159 حالة وفاة لكل مئة ألف شخص)، وجنوب السودان (129 حالة وفاة لكل مئة ألف شخص)، وجمهورية أفريقيا الوسطى (128 حالة لكل مئة ألف شخص)، ونيجيريا (109 حالة وفاة لكل مئة شخص)، والنيجر وبوركينا فاسو (108 حالة وفاة لكل مئة ألف شخص).

وتُقدر نسبة وفيات الأطفال دون الخامسة الناجمة عن الأمراض التنفسية التي تعزى إلى تلوث الهواء في العديد من البلدان في أفريقيا مثل النيجر والسنغال ورواندا وملاوي وإثيوبيا وأوغندا وموزمبيق، وفي آسيا مثل أفغانستان وبنغلاديش والهند بأكثر من 40% من مجمل الوفيات. 

إلى ذلك، يتبيّن أن 46% من الوفيات المرتبطة بتلوّث الهواء المنزلي سجّلت في جنوب آسيا، و26% منها  في جنوب شرق وشرق آسيا، و24% في شرق وغرب ووسط جنوب أفريقيا. أما بالنسبة إلى البلدان التي لديها أعلى مستويات التعرّض لثاني أكسيد النيتروجين، فإن 7 بلدان من أصل الـ 10 الأكثر تعرّضاً، تقع في منطقة الشرق الأوسط ولا سيما في البحرين وقطر والكويت ولبنان والإمارات العربية المتحدة.

وإذا كان السبب الرئيسي لارتفاع نسبة الملّوثات في الهواء في دول مثل الصين يعود إلى الكثافة السكانية التي يرافقها ضخامة في استهلاك آليات النقل وتشغيل المصانع والأبنية السكنية، أو إلى  مشاريع حفر الوقود الأحفوري التي ترعاها دولة كالإمارات العربية المتحدة، فضلاً عن صناعة الإسمنت المزدهرة بفضل تنامي قطاع البناء فيها (تتسبب صناعة الإسمنت بتلويث الهواء بنحو 4 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً)، فإنّ السبب الرئيسي لارتفاع معدلات التعرّض للهواء الملوث في بقية البلدان الأفريقية وغالبية البلدان في جنوب وشرق آسيا هو عجز هذه البلدان الفقيرة عن الحصول على الطاقة النظيفة اللازمة. على سبيل المثال، 1 فقط من كل 20 شخصاً يعيشون في جمهورية الكونغو الديمقراطية وإثيوبيا ومدغشقر وموزمبيق والنيجر وأوغندا وتنزانيا قادر على استخدام الوقود «النظيف» للطهي. ووفق اليونيسف لا تزال ملايين الأسر تعتمد على مصادر الطاقة الملوّثة لأغراض الطهي والتدفئة ما يجعلها الأكثر عرضة للخطر، إلى جانب عوامل نمط الغذاء ومقوّمات العيش. 

يُشير معدّو التقرير إلى تأثير التغير المناخي على تلوث الهواء. ويلفتون إلى أن اشتداد موجات الجفاف وطول أمدها وزيادة جفاف الأراضي وتزايد الحرائق والعواصف الترابية، تساهم في ملء الهواء بالجزيئات لفترات طويلة من الزمن: «عندما ترتفع درجات الحرارة في الصيف، تحفّز الملوثات المحمولة جواً، مثل أكاسيد النيتروجين، بقوة متزايدة، ما يسرّع تكوين الأوزون، الأمر الذي له أيضاً آثاراً صحية». والجدير ذكره في هذا الصدد أن مستويات الأوزون كانت حتى العام 2021 أعلى بنسبة 30% إلى 70% عما كانت عليه قبل مئة عام، علماً أن التعرّض للأوزون، شأنه شأن الكثير من ملوثات الهواء خطير على المديين القصير والطويل لجهة تفاقم أمراض الجهاز التنفسي والربو وغيرها. على سبيل المثال، منذ العام 2010، ارتفع العدد الإجمالي لوفيات مرض الانسداد الرئوي المزمن المرتبط بالأوزون بنسبة 20%. وفي العام 2021، سجلت نحو 50% من جميع وفيات مرض الانسداد الرئوي المزمن المرتبطة بالأوزون في الهند (237 ألف حالة وفاة)، ومن المعلوم أن الهند كغيرها من الدول النامية تدفع الفاتورة الأغلى جراء التغير المناخي.

على هامش المؤتمر الثامن والعشرين للأطراف (COP-28)، تم الإعلان عن حزمة من الدعم المالي للدول الأفريقية بهدف الوصول الشامل إلى «الطهي النظيف»، وكأن الطهي النظيف هو المسبّب الأول لتلوّث الهواء في العالم، في تغاضٍ عن الصناعات الأحفورية التي تنشط فيها الدول الغنية. وعليه، إذا كان المطلوب من الدول النامية السعي إلى التخلص من الطهي بالأساليب الملوثة والتأقلم مع التغير المناخي، فإن المطلوب من الدول الغنية المتسببة بالأزمة والأقل دفعاً للفواتير الصحية أكثر من ذلك بكثير، لأنها بشكل أو بآخر مسؤولة عن  أرواح الملايين من سكان الدول المتضررة من تلوث الهواء.