معاينة lebanon agriculture

كيف ترسم صادرات لبنان من الفواكه والخضار خارطة التوترات الجيوسياسية؟

صدّر لبنان نحو 71 مليون طن من الفواكه والخضار في النصف الأول من العام 2025، أي أقل بنسبة 12% بالمقارنة مع النصف الأول من العام 2024، وأقل بنسبة 57% بالمقارنة مع النصف الأول من العام 2020، وفقاً لبيانات إدارة الجمارك اللبنانية. وانخفضت قيمة هذه الصادرات الى النصف تقريباً، من 60 مليون دولار في النصف الأول من العام الماضي إلى 32 مليون دولار في الفترة نفسها في هذا العام.

يشرح عميد كلية إدارة الأعمال في جامعة المعارف، بسام همدر، أن انخفاض الصادرات أدى إلى تفوق العرض على الطلب، على الرغم من شح الأمطار الذي قلّص حجم الإنتاج، ويشير إلى أن قرار الحكومة السورية الأخير بحظر أصناف من الصادرات الزراعية اللبنانية كان عاملاً مساهماً في هذا الوضع.

إذاً، لا يُفسّر هذا التراجع بعوامل اقتصادية أو طبيعية فحسب، بل تؤدي السياسة والأمن دوراً محورياً فيه. فقد شكّل الحظر السعودي على الصادرات اللبنانية في العام 2021 صدمة كبيرة للقطاع الزراعي اللبناني، لتتوالى بعدها التحديات مع الأحداث الأمنية في البحر الأحمر في العام 2023، وصولاً إلى القرار السوري الأخير القاضي بالاستغناء عن جزء كبير من الواردات الزراعية اللبنانية. كلها محطات ساهمت في تضييق الأسواق والممرات وإضعاف القدرة التنافسية للصادرات الزراعية.

info1

1- السعودية

في العام 2021، قررت السعودية منع دخول شحنات الخضروات والفواكه اللبنانية إلى أراضيها، بذريعة استغلال تلك الشحنات في تهريب المخدرات إليها، وقُرأت الخطوة حينها كورقة ضغط على الدولة اللبنانية. ففي العام 2020، شكّلت السوق السعودية نحو 17% من قيمة صادرات لبنان من الخضار والفواكه، وكانت المستورد الأكبر للفواكه اللبنانية على وجه الخصوص، والثالث بين مستوردي الخضار اللبنانية بعد الإمارات العربية المتحدة والكويت.

لا يزال الحظر السعودي مستمراً حتى اليوم، وبعد مرور 4 سنوات، من دون أن ينجح أي من المسؤولين اللبنانيين في إيجاد حل له، وفق ما يؤكد رئيس الاتحاد الوطني للفلاحين، إبراهيم ترشيشي، الذي أشار الى أن صادرات الحمضيات والفواكه تبقى الأكثر تضرراً من هذا القرار.

ما يزيد الطين البلة أن الحظر يشمل «تجارة الترانزيت»، إذ تحظر السعودية مرور البضائع اللبنانية عبر أراضيها باتجاه دول خليجية أخرى كالإمارات العربية المتحدة وقطر والبحرين. أصبح الوصول إلى هذه البلدان يقتصر على رحلة بحرية طويلة ومكلفة، تنطلق من البحر الأبيض المتوسط مروراً بقناة السويس ثم البحر الأحمر، قبل الالتفاف عبر مضيق عدن للوصول إلى بحر العرب، ومنه الدخول في النهاية عبر مضيق هرمز إلى الخليج الفارسي.

2- البحر الأحمر

استفحلت الأزمة بشكل خاص منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2023، بعد أن فتحت حركة أنصار الله اليمنية جبهة مساندة لغزة في البحر الأحمر. يشير ترشيشي إلى أن هذه الأحداث أدت إلى ارتفاع كبير في تكاليف الشحن والتأمين، بما يقارب 1500 دولار اعلى من السابق، ما انعكس زيادة على أسعار الصادرات اللبنانية وفقدانها لقدرتها التنافسية.

كما أدّى الصراع إلى إطالة مدة رحلة الشحن، فبعد أن كانت تستغرق 9 أو 10 أيام، أصبحت تتراوح بين 25 و35 يوماً وأحياناً 40 يوماً. ولم يعد هناك موعد ثابت لوصول البضائع المصدَّرة، ما أدّى إلى فقدان الانتظام، فالمصدِّر لم يعد قادراً على الالتزام بمواعيده، والتاجر لم يعد مستعداً للانتظار وهو لا يعلم متى تصل بضاعته، ما يعرض البضاعة للتلف.

في خلال العام الأول من الصراع في البحر الأحمر، تراجعت صادرات الخضار اللبنانية من 23.5 مليون دولار في 2023 إلى 18.4 مليون دولار في 2024، فيما انخفضت صادرات الفواكه من 104.4 مليون دولار إلى 85.8 مليون دولار خلال الفترة نفسها.

3- سوريا

يصف ترشيشي العام 2025 أنها من أسوأ السنوات التي مرّ بها المزارع اللبناني، ويمكن وصفها بـ«سنة النحس» أو «سنة الخسارة الكبرى للمزارعين». ويصف ترشيشي الوضع بالكساد الزراعي، حيث تُرمى المنتجات أو تُباع بأقل من كلفة إنتاجها.

بحسب همدر، فقد أصدرت الحكومة السورية منذ فترة غير بعيدة روزنامتها الزراعية التي تحدد حاجات سوريا من الخضار والفواكه، سواء للاستيراد في حالة العجز أو للتصدير في حال الفائض، وقد قررت أن لا تستورد منتجات مثل الطماطم والبطاطا والليمون والبصل والثوم وبعض الفواكه من لبنان. يؤكد همدر أن لبنان كان تاريخياً يصدر كميات كبيرة من المنتجات الزراعية إلى سوريا، لا سيما في خلال هذا الموسم، بينما تفيد بيانات الجمارك أن لبنان صدّر نحو 12 مليون دولار أميركي من الفواكه إلى سوريا في العام 2024 ونحو 900 ألف دولار أميركي من الخضار.

info2