معاينة inflation lebanon

آثار التضخّم في لبنان
لسنا كلّنا على المركب نفسه

أي سلعة أو خدمة كانت تُشترى في لبنان بـ 100 ألف ليرة في حزيران/يونيو 2024، أصبحت تُشترى بـ 115 ألف ليرة لبنانية كمعدّل في حزيران/يونيو 2025. من منظور آخر: في مقابل كلّ 100 ألف ليرة كان يتلقاها الشخص في لبنان ضمن راتبه في حزيران/يونيو 2024، يحتاج في حزيران/يونيو 2025 إلى إضافة 15 ألف ليرة أخرى للحفاظ على مستواه المعيشي نفسه.

يعبّر الاقتصاديون عن هذه الظاهرة بقولهم إن «معدّل التضخّم في أسعار السلع والخدمات في لبنان سجّل نحو 15% بين حزيران/يونيو 2024 وحزيران/يونيو 2025». مع ذلك فإن نسبة 15% تبقى مجرّد رقم وسطي يحاول دمج كم من الأرقام في قيمة واحدة، فمعدلات التضخم تخفي وراءها فروقات كبيرة بين الأفراد تبعاً لمكان إقامتهم وعادات إنفاقهم وموقعهم في سوق العمل. 

1. سكان الشمال يعانون من أعلى مستويات التضخّم

لا يقع عبء التضخم بالتوازي على الجميع. في الحقيقة، يختلف معدّل التضخم من محافظة لبنانية إلى أخرى. فلو كان شخص ما من سكان بيروت، ذلك يعني أنه تحمّل «ضريبة» تضخّم أقل من تلك التي تحمّلها مقيم في شمال لبنان. في خلال الفترة الممتدة بين حزيران/يونيو 2024 وحزيران/يونيو 2025، سجّل معدل التضخم في بيروت نسبة 16.6%، متخطّياً المتوسط الوطني البالغ 15%. وفي الشمال، بلغ التضخم 20%، ما جعلها أكثر المحافظات تضرراً، وهو ما يقارب ضعف النسبة المسجلة في الجنوب (10.8%).

map

2. عبء التضخم يختلف وفق الاستهلاك

أيضاً يختلف عبء التضخم الملقى على الأفراد بحسب عاداتهم الاستهلاكية. لنفترض أن شخصاً قرّر هذا العام أن أثاث منزله أصبح قديماً إلا أنه لم يتمكن من استبداله، فلجأ إلى صيانته أو تحسينه، عندها سيكون حظه سيئاً للغاية، إذ تشير بيانات الإحصاء المركزي إلى أن أسعار «صيانة الأثاث والمفروشات والأغطية الأرضية» ارتفعت بنسبة 111.7% في خلال عام واحد، ما يعني أن هذا الشخص على الأرجح تأثر بالتضخّم أكثر من جاره الذي لم يقم بأي تحسينات.

في الواقع، يختلف معدل التضخم من شخص لآخر، ليس فقط بحسب موقعه الجغرافي، بل أيضاً وفقاً لروتينه الاستهلاكي والحاجات التي يضطر لتغطيتها في خلال فترة معينة. تشير بيانات الإحصاء المركزي إلى أن السلع والخدمات التي شهدت التضخّم الأكبر بعد «صيانة الأثاث» هي خدمات الصرف الصحي للمياه المبتذلة (109%)، ثم أسعار الفواكه (94%)، تليها جمع النفايات المنزلية (82%)، وخدمات الاستشفاء (72%)... وكلما ازداد استهلاك أحد ما لهذه الخدمات، كلما شعر بتأثير التضخم أكثر من غيره.

2

3. ضريبة مستترة على العاملين 

المشكلة في التضخّم أنها «ضريبة» تمر خلسة، وهي غير محسوسة في لحظة وقوعها، إلا في حالات التضخم المفرط، كما حدث في خلال السنوات الأولى من الأزمة المصرفية في العام 2019.   على سبيل المثال، إذا كان موظف ما يتقاضى راتباً شهرياً قدره 600 دولار أميركي (أي ما يعادل حوالي 53 مليون ليرة لبنانية) فهو سيحتاج إلى نحو 8 ملايين ليرة إضافية في الشهر لمواكبة ارتفاع الأسعار المسجلة في خلال عام واحد بين حزيران/يونيو 2024 وحزيران/يونيو 2025. وفي حال لم يمنحه صاحب العمل أي زيادة على المعاش، يصبح التضخّم بمثابة «ضريبة» غير رسمية على الموظّف، وغالباً تتجاوز ضرائب الدخل والاستهلاك التي تفرضها الحكومة، غير أنّ هذه الأخيرة تُدفع لقاء خدمات عامة بينما ضريبة التضخّم تأتي بلا أي مقابل. 

يحصل الناس على مداخيلهم بطريقتين: إمّا من خلال العمل مقابل أجر، أو من خلال رأس المال والأرباح. فإذا كان الشخص عاملاً، فغالباً ما يكون التضخّم أثقل عليه من غيره، لأن مجاراة التضخّم بزيادة الأجور تتطلّب مفاوضة مع صاحب العمل، وهو أمر ليس سهلاً في العادة. أما إذا كان صاحب عمل، فالأرجح أنه لجأ إلى رفع أسعار السلع أو الخدمات التي يقدّمها لتعويض أثر التضخم والحفاظ على أرباحه. صحيح أن السوق قد يقيّده في مقدار الزيادة، لكنّه بالتأكيد تمكن من تخفيف أثر التضخم عليه أكثر مما هو الحال بالنسبة إلى العامل.