معاينة Kirkuk–Ceyhan Pipeline

ماذا يريد ترامب من الوساطة على خطّ كركوك-جيهان النفطي؟

شكّل الإعلان عن إعادة تشغيل خطّ النفط بين كركوك في شمال العراق وميناء جيهان على الساحل التركي مفاجأة في توقيته. دام توقّف هذا الخط الحيوي نحو سنتين ونصف السنة، بسبب الخلاف العراقي-الكردستاني والخلاف العراقي-التركي على تصدير النفط من إقليم كردستان إلى تركيا من دون الاتفاق مع الحكومة العراقية المركزية. ولكن في لحظة جيوسياسية حسّاسة، يزداد فيها الضغط الأميركي على الحكومة التركية لمحاصرة النفط الروسي، الذي تُعتبر تركيا أحد أبرز أسواقه، كذلك الضغط على العراق لمحاصرة النفط الإيراني، تم التوصّل إلى اتفاق بين الأطراف الثلاثة، بوساطة من الولايات المتّحدة الأميركية، التي تعتبر إعادة تشغيل الخط بمثابة صفقة إضافية في إستراتيجّية تضييق الخناق على كلّ من روسيا وإيران.

infographic

أولاً، ما قصّة خطّ أنابيب كركوك-جيهان؟

يُعتبر هذا الخطّ أكبر خطوط تصدير النفط الخام من العراق، يبلغ طوله حوالي 970 كيلومتراً، وتقدّر سعته ما بين 500 ألف و1,1 مليون برميل في اليوم، وقد بدأ تشغيله في العام 1976.

في العام 2013، اتفقت تركيا مع إقليم كردستان على تصدير قرابة 450 ألف برميل من حقول الإقليم من دون موافقة بغداد. رفعت الحكومة المركزية العراقية في حينها قضيّة في غرفة التجارة الدولية ضدّ تركيا مطالبة إيّاها بدفع 1.5 مليار دولار كتعويضات عن صادرات النفط غير المصرّح بها بين الأعوام 2014 و2018

تم إغلاق خط الأنابيب في آذار/مارس من العام 2023، بعد أن صدر الحكم بأن تركيا انتهكت اتفاقية ثنائية مع العراق بسماحها لحكومة إقليم كردستان بتصدير نفطها الخام بشكل مستقل عبر هذا الخط.

رفضت الحكومة التركية الامتثال للحكم، وبلغ التصعيد ذروتها في تموز/يوليو الماضي، عندما ألغت تركيا فجأة، ومن طرف واحد، جميع الاتفاقيات الست التي تحكم تشغيل خط الأنابيب بين العراق وتركيا. ظهرت الخطوة التركية كتهديد بإبقاء طريق التصدير الرئيس من كركوك إلى جيهان مغلقاً، وسيشكّل ذلك ضربة كبيرة لقطاع النفط في إقليم كردستان ويُضعف حكومته، ولكن تركيا تركت الباب مفتوحاً للتفاوض، وتركت موعد تنفيذ قرارها حتى تموز/يوليو 2026. يشير مراقبون إلى أن قرار الإلغاء جاء نتيجة اعتبارات عدّة، منها شعور تركيا أن باستطاعتها إعادة صياغة علاقاتها النفطية مع العراق خارج إطار اتفاقيات العام 1973، وضمن معطيات تفاوضية جديدة تعكس البيئة الإقليمية والدولية الجديدة.

ثانياً، على ماذا اتفقوا؟

في 25 أيلول/سبتمبر الماضي، تمّ الإعلان عن اتفاقية ثلاثية الأطراف بين الحكومة المركزية العراقية في بغداد وحكومة إقليم كردستان في أربيل مع شركات النّفط العاملة في الإقليم، يرمي إلى تنظيم عملية إنتاج النفط وتصديره تحت إشراف الحكومة المركزية. سرعان ما عاد ضخّ النفط في خطّ كركوك-جيهان اعتباراً من 27 أيلول/سبتمبر، أي بعد يومين فقط. 

في الواقع، وعلى الرغم من التعنّت الذي طبع جميع الأطراف المعنية بهذا النزاع، إلا أن المفاوضات كانت جارية على مدى الأشهر الماضية بين الحكومتين في كل من بغداد وأربيل للوصول إلى حلّ لأزمة تصدير النفط، وسط رفض تركي لأي اتفاق. إلّا أن المفاوضات تسارعت بوساطة وضغط أميركيين، وتم الإعلان عن التوصل إلى اتفاق في خلال زيارة الرئيس التركي رجب الطيب أردوغان إلى البيت الأبيض ولقائه بالرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد اجتماعات الأمم المتحدة. ورحّبت الخارجية الأميركية من جانبها بالاتفاق معلنة نجاح وساطتها في التوصّل إليه، وأنه «سيكون له نتائج ايجابية مباشرة على الأميركيين والعراقيين». 

وفقاً للاتفاقية الموقّعة مع 8 شركات نفط تعمل في حقول إقليم كردستان، ستقوم الأخيرة بتسليم ما بين 180 إلى 190 ألف برميل يومياً لوزارة النفط عبر شركة تسويق النفط العراقية سومو (SOMO)، التي تصدّرها بدورها إلى جيهان، في حين تُبقي حكومة كردستان على حوالي 50 ألف برميل يومياً للاستعمال المحلي وتشغيل المصافي المحلية. مع العلم أن بعض شركات النّفط الناشطة في الإقليم فضّلت التريّث وعدم دخول الاتفاق ريثما تتضّح آليات دفع المستحقات المالية للشركات نتيجة توقّف التصدير في السنتين الأخيرتين. وسيتمّ بموجب الاتفاقية تحويل 16 دولاراً أميركياً عن كل برميل مباع عبر شركة سومو، حيث توضع الأموال في حساب ضمان، ويتمّ توزيعها بالتناسب على الشركات المنتجة، بينما تذهب باقي الإيرادات إلى شركة سومو. وسيتولى تاجر مستقل إدارة المبيعات من ميناء جيهان التركي باستخدام الأسعار الرسمية لشركة سومو. من ناحية أخرى، أشارت معطيات أخرى أن المرحلة الأولى ستمتدّ لشهرين، يُصار في خلالها إلى تكليف شركة الاستشارات الأميركية «ماكنزي» على إعداد تدقيق متعلقّ بالمستحقّات المالية لفترة ما قبل التوقّف، ليُصار بعدها إلى تعديل التكاليف والأسعار. 

ثالثاً، ما علاقة أنبوب كركوك-جيهان بالنفط الروسي والإيراني؟

قد يساعد استئناف تدفّقات النفط من إقليم كردستان على رفع صادرات العراق إلى نحو 3.6 مليون برميل يومياً في الأيام المقبلة، وتطمح شركة سومو إلى مضاعفة الكميّة المصدّرة عبر خط كركوك-جيهان إلى ما بين 400 إلى 500 ألف برميل في العام 2026. لذلك، يمثل الاتفاق حاجة للعراق، ولكن ما الذي يمثله للولايات المتحدة الأميركية وتركيا؟

سيساهم ضخّ النفط العراقي إلى تركيا في خفض تدريجي لحاجة تركيا لاستيراد النفط الروسي. تعد تركيا ثالث أكبر مستورد للنّفط الروسي في العام 2024، وتظهر البيانات أن حجم النفط الروسي الذي وصل إلى تركيا ارتفع إلى نحو 70% من وارداتها في العام نفسه. يريد ترامب من تركيا أن تخفّف اعتمادها على النفط الروسي، في إطار عمل إدارته لتجفيف مصادر تمويل الحرب الروسية في أوكرانيا. وفي الوقت نفسه، يريد أردوغان مسايرة ترامب لتعزيز دور تركيا، والحصول على صفقة طائرات F-35، وهو قد يكون مستعداً للتنازل للمطالب الأميركية.

يعتقد ترامب أنه بضغوطه على جميع الأطراف المعنية لحل النزاع سيضرب عصفورين بحجر واحد، فالعمل على تقليل اعتماد تركيا على النفط الروسي، يقابله إغراء الحكومة العراقية لتشديد إجراءاتها ضد تهريب النفط الإيراني عبر العراق. فالاتفاقية تفضي في النهاية إلى فرض سيطرة الحكومة المركزية على صادرات البلاد من النّفط وزيادة وارداتها المالية، إلّا أن الوساطة الأميركية أتت على وقع التهديدات الأميركية بفرض العقوبات على العراق، وهذه رسالة واضحة بأن على الحكومة العراقية المركزية أن تقوم بما هو مطلوب منها كمقابل.