Preview الرسوم الاضافية لصندوق النقد

كيف يجني صندوق النقد الدولي المال على حساب البلدان المأزومة؟

ما هي الرسوم الإضافية التي فرضها صندوق النقد الدولي؟ قلّما نجد لها أثراً على شبكة الإنترنت، ولسبب ما لا يتطرّق صندوق النقد الدولي إليها. من الصعب العثور على مراجع باللغة الفرنسية عن هذا الموضوع، أمّا المراجع باللغة الإنكليزية فهي جدّ قليلة. فما هي قيمة هذه الرسوم الإضافية؟ وما هي البلدان التي سوف تشملها؟ نلقى تالياً نظرة خاطفة على تلك الآلية التي تزيد الأعباء الملقاة على كاهل البلدان الضعيفة.

ما هي الرسوم الإضافية التي يفرضها صندوق النقد الدولي؟

الرسوم الإضافية التي يفرضها صندوق النقد الدولي هي آليّة استحدثت في العام 1997، وعبارة عن رسوم تطبّق على الدول المدينة التي تقترض «من صندوق النقد الدولي كثيراً». ولكي نقف على الآليّة التي تطبّق من خلالها تلك الرسوم الإضافية، يتعيّن علينا بداية أن نلقي نظرة على أسلوب عمل صندوق النقد الدولي. يضطلع أعضاء صندوق النقد البالغ عددهم 190 عضواً بتزويده بجزءٍ من الموارد التي يتولّى إقراضها على شكل حصص.1

من الناحية النظرية، تتناسب الحصّة الخاصّة بكلّ دولة مع «وزنها في الاقتصاد العالمي»، لكن الولايات المتّحدة وحلفاؤها الأوروبيون واليابان يقيّدون زيادة حصّة الصين، التي لا تزيد عن 6.09%،  على الرغم من كونها صاحبة ثاني أكبر اقتصاد في العالم وستتمكّن من إحراز الغلبة على الولايات المتّحدة في القريب، في حين تقدّر حصّة الولايات المتّحدة بنحو 16.5%. ومن السهل تفسير هذا التناقض: ذلك أن حقوق التصويت التي تتمتّع بها كل دولة فيما يتعلّق باتخاذ القرارات المهمّة في صندوق النقد تتناسب مع مساهمتها فيه. وبالإضافة إلى ذلك، تتناسب القروض التي يمنحها صندوق النقد إلى الدول الأعضاء مع حصة كلّ دولة، أي مع القدر الذي تسهم به في صندوق النقد الدولي. وصفوة القول، يمكن لدولة غنّية في الشمال العالمي تَحُوز على حصة أكبر مقارنةً بحصّة الدولة الفقيرة، أن تتمتع بحقوقٍ أكبر فيما يتصل بالتصويت، كما أنه يحقّ لها الحصول على قروضٍ أكبر. وكما ذكرت أعلاه، تمتلك الولايات المتحدة حصّة تقدّر بـ 16.5% في صندوق النقد الدولي، ما يمنحها حق النقض بحكم الأمر الواقع، نظراً لأن الغالبية المطلوبة لاتخاذ أي قرار مهم هي 85%. 

يثقل هذا النظام كاهل البلدان التي تعاني من ضوائق مالية، وبدلاً من خدمة شعبها عبر تمويل الرعاية الاجتماعية والتعليم والرعاية الصحّية، تضطر البلاد إلى خفض نفقاتها تلك ودفع المزيد من الفوائد والرسوم والغرامات

لا تحصل دولة منخفضة الدخل في الجنوب العالمي إلا على قروضٍ أقلّ قيمة من تلك التي تحصل عليها دولة من الشمال (بما يتناسب مع مساهمتها)، كما أن تأثيرها في عملية التصويت ضعيف. وتتجمّع بلدان الجنوب ضمن مجموعات. على سبيل المثال، لا تتمتّع مجموعةٍ تتشكّل من 23 دولة، تضمّ ساحل العاج وبنين وجمهورية الكونغو الديمقراطية، بأكثر من 1.62% في التصويت.

وتتناسب القروض التي يمنحها صندوق النقد الدولي مع مساهمات البلدان في موارد صندوق النقد الدولي، وبالتالي مع وزنها في الاقتصاد العالمي. إذا اقترضت دولة معيّنة ما يزيد عن 187.5% من حصّتها،2  تغدو مُطالَبة بدفع رسوم إضافية على القروض التي تتجاوز هذا المستوى. وهناك نوعان من الرسوم الإضافية:

  • الرسوم الإضافية وفق المستوى، التي تتحدّد وفقَ المبلغ المتبقي من القرض، وتُفرض 200 نقطة أساس على الجزء المتبقي من الائتمان المستحق الذي يزيد عن 187.5% من حصة الدولة.
  • الرسوم الإضافية وفق الوقت، التي تتحدّد وفق أجال القرض: وهي تُطبّق على ذلك الجزء من القرض، الذي يتجاوز سقف 187.5% من حصة الدولة ويستمرّ لأكثر من 36 أو 51 شهراً، بحسب نوع الاقتراض. وعلى هذا، تُضاف الرسوم الإضافية المحتسبة وفق الوقت إلى الرسوم الإضافية المحتسبة وفق المستوى عندما تقوم دولة معيّنة باقتراض مبلغ يتعدّى نسبة 187.5% من حصتها، أو لأكثر من ثلاث سنوات أو أربع سنوات وثلاثة أشهر.

يمكن للدولة المتخلّفة عن السداد، والتي تفتقر إلى العملات الأجنبية اللازمة لسداد ديونها الخارجية، والتي لن يبادر دائن إلى إقراضها إلاَّ بأسعارِ فائدة باهظة، أن تلجأ إلى صندوق النقد الدولي. إذا تجاوز القرض نسبة 187.5% من حصتها، فسوف يتعيّن عليها دفع رسوم إضافية هائلة. أي سوف تضطر إلى تحمّل المزيد من الديون على الرغم من كونها تمرّ بوضع عصيب بالفعل، وسوف تخضع لمشروطية صندوق النقد الدولي، وهو ما يحتم عليها تقليص المزيد من نفقاتها عبر خفض الإنفاق الاجتماعي، والخصخصة… أما إذا لم تجد السبيل إلى خفض اقتراضها من صندوق النقد الدولي إلى ما يقلّ عن 187.5% من حصتها في غضون 36 أو 51 شهراً، فسوف تضطر إلى مجابهة المزيد من الغرامات.

ويثقل هذا النظام كاهل البلدان التي تعاني من الضوائق المالية بالمزيد من الضغوط. وبدلاً من خدمة شعبها عبر تمويل الرعاية الاجتماعية والتعليم والرعاية الصحّية وما إلى ذلك، تضطر البلاد إلى خفض نفقاتها تلك ودفع المزيد من الفوائد والرسوم والغرامات. وبالنسبة إلى عددٍ من البلدان، يمكن للرسوم الإضافية أن تضاعف من تكلفة الاقتراض.3  وبعبارة أخرى، فإن المؤسّسة الدولية التي تهيمن عليها الولايات المتحدة والدول الغربية بشكل عام، سوف تغرّم الدولة (وهي غالباً مستعمَرة سابقة) التي تتوانى عن السداد بالوتيرة المطلوبة وتعاقب شعبها. ومن نواحٍ عدّة، تعدّ هذه الإجراءات استعماراً جديداً.

المؤسّسة الدولية التي تهيمن عليها الولايات المتحدة والدول الغربية، تغرّم الدولة التي تتوانى عن السداد بالوتيرة المطلوبة وتعاقب شعبها. وغالباً تكون هذه الدولة مستعمَرة سابقة، ما يجعل هذه الإجراءات استعماراً جديداً

في التحليل الذي نشرته «الشبكة الأوروبية المعنية بالديون والتنمية»، انتهى دانييل مونيفار إلى أن الرسوم الإضافية التي سوف يفرضها صندوق النقد الدولي بين عامي 2021 و2028، سوف تمثل 61% في المتوسط من تكاليف اقتراضها (8 مليار دولار). ما يعني أن هذه الرسوم الإضافية هي أعلى في المتوسّط من الفائدة المعتادة التي تفرضها المؤسسة المالية الدولية، وهي تفرض على الدول التي تمرّ بأزمة ديون وتعتمد على صندوق النقد الدولي اعتماداً كبيراً.  

وبالمثل، في مقالٍ نشره مركز البحوث الاقتصادية والسياسية، خلص فرانسيسكو أمسلر ومايكل غالانت إلى قيام صندوق النقد الدولي بفرض أكثر من 2 مليار دولار كرسومٍ إضافية بين نيسان/أبريل 2023 وكانون الثاني/يناير 2025.

سجّلت رسوم صندوق النقد الإضافية ارتفاعاً شديداً منذ العام 2021، وبشكل أكبر منذ العام 2023. وهي ستبقى مرتفعة لسنوات مقبلة. وهذا أمر منطقي: فمنذ جائحة كوفيد-19، عاد صندوق النقد الدولي بقوّة، وأقرض 300 مليار دولار لنحو 100 دولة، علماً أن بعض هذه الدول تجاوزت سقف الـ 187.5% من حصتها. ولذلك، تدفع الرسوم الإضافية.

من هي الدول التي ستتأثر بالرسوم الإضافية؟

في حين لم يكن هناك سوى 7 دول تدفع الرسوم الإضافية لصندوق النقد الدولي في العام 2019، يوجد الآن نحو 16 دولة معرّضة لدفع تلك الغرامات وهي: الأرجنتين، وأوكرانيا، ومصر، والإكوادور، وباكستان، وألبانيا، وأرمينيا، والأردن، وأنغولا، وكوستاريكا، وباربادوس، وجورجيا، والغابون، وتونس، والسيشل ومنغوليا. وبالنسبة لهذه البلدان، فإن التكلفة التراكمية للاقتراض، والتي لا تشمل المبالغ المقترضة والمسدّدة في النهاية والتي تعرف بـ «أصل الدين»، قد ترتفع بحلول العام 2030 من 36.6 مليار دولار إلى 43.9 مليار دولار، ومن ضمنها هناك 12.2 مليار دولار كرسوم إضافية.4  

الرسوم الاضافية

في هذا الجدول، الذي يستند إلى الحسابات التي أجراها كلّ من فرانسيسكو أمسلر ومايكل غالانت،5  نلاحظ أن الدول الخمس الأكثر تأثُّراً بالرسوم الإضافية التي فرضها صندوق النقد الدولي هي الأرجنتين وأوكرانيا ومصر والإكوادور وباكستان. 

ومن الآن وحتى العام 2025، سوف تدفع الأرجنتين في المتوسّط ما يزيد عن مليار دولار سنوياً كرسومٍ إضافية، وهو ما يعادل نصف ميزانية الصحة في الأرجنتين لعام 2022. ومن المتوقّع أن تدفع الأرجنتين، التي اقترضت مبلغاً هائلاً قدره 44 مليار دولار في العام 2018 من صندوق النقد الدولي، نحو 7.1 مليار دولار كرسوم إضافية بين عامي 2023 و2033، وهو ما يعادل الناتج المحلي الإجمالي السنوي لتوغو. هذا رقمٌ ضخم، ويمثل 36.2% من إجمالي تكلفة الاقتراض في خلال هذه الفترة من صندوق النقد، وتشمل تلك التكلفة الفوائد، وغرامات السداد المتأخر، والرسوم الإضافية… وأكرّر مجدّداً أن تكلفة الاقتراض لا تشمل أصل القرض الذي سوف يتمّ تسديده في نهاية القرض.

الرسوم الإضافية هي أعلى في المتوسّط من الفائدة المعتادة التي يفرضها صندوق النقد، وهي تفرض على الدول التي تمرّ بأزمة ديون وتعتمد على الصندوق بشكل كبير

كما ألحقت الرسوم الإضافية التي فرضها صندوق النقد الدولي أشدّ الضرر بأوكرانيا، التي تشهد حرباً مستمرّة منذ عامين. وبين عامي 2023 و2033، سوف تدفع أوكرانيا 3.8 مليار دولار كرسومٍ إضافية، وهو ما يعادل ميزانية الدفاع السنوية لأوكرانيا قبل اندلاع الحرب مباشرة، أو الناتج المحلي الإجمالي السنوي لأندورا. لا يرحم صندوق النقد الدولي حتى البلدان التي تمرّ بحالة حرب. 

أيضاً لا يُبدي الصندوق أدنى تعاطف حيال البلدان والشعوب التي طالها الضرر جرّاء تغيّر المناخ، على الرغم من عدم مسؤوليتها عنه. وفي طوعِ سكان باكستان، ضحايا الفيضانات التي ضربت في صيف العام 2022 وأسفرت عن تفاقم أزمة الديون في البلاد، أن يكونوا شهوداً على ابتلاعِ الرسوم الإضافية التي يفرضها صندوق النقد الدولي جزءاً من الضرائب التي يؤدونها. وتمثل هذه الرسوم الإضافية نسبة 43.2% من تكاليف الاقتراض في باكستان بين عامي 2023 و2033، وهو ما يعادل تقريباً ضعف الميزانية السنوية التي تخصّصها الحكومة الباكستانية للتعليم.6

الخلاصة واضحة: يعمل صندوق النقد الدولي، أكثر فأكثر، على إغراق البلدان التي تُفرط في الاستدانة منه مدفوعةً بأزمة الديون الناجمة إمّا عن صراعاتٍ مسلّحة، أو عن كوارثٍ مناخية، أو عن ظروفٍ أخرى ليست مسؤولة عنها.

من هي البلدان التي يتوقّع أن تدفع الرسوم الإضافية في خلال الأشهر أو الأعوام المقبلة؟

استناداً إلى الحسابات التي أجراها فرانسيسكو أمسلر ومايكل غالانت،7  هناك العديد من البلدان المهدّدة بدفع الرسوم الإضافية التي يفرضها صندوق النقد في غضون الأشهر المقبلة. وهذه حال سريلانكا، التي تشكل قروض صندوق النقد الدولي نحو 180% من حصتها، وتمرّ بأزمة ديون غير مسبوقة بالتزامن مع تدخّل صندوق النقد الدولي على نحو ضارّ بالسكان. وهذه حال السنغال أيضاً، وبنين، ومولدوفا، ومقدونيا الشمالية، والمغرب التي تولّت استضافة الاجتماعات السنوية الأخيرة التي عقدها صندوق النقد والبنك الدوليين مؤخراً. وكما هو موضح أعلاه، من المقرّر أن يخضع صندوق النقد المزيد من البلدان للرسوم الإضافية، نظراً إلى توسّع قروض هذه المؤسّسة منذ جائحة كوفيد-19.

الرسوم الاضافية

لا يمكن لهذا الاتجاه إلّا أن يتعمّق أكثر، ويعود ذلك إلى تعرّض بلدان الجنوب العالمي لأزمة ديون حادة قادت إليها سلسلة من الصدمات الخارجية: مثل جائحة كوفيد-19، والزيادة التي شهدتها أسعار الحبوب إثر الحرب الروسية-الأوكرانية، والتي تفاقمت بفعلِ المضاربات، واتجاه بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي والبنك المركزي الأوروبي وبنك إنكلترا إلى رفع أسعار الفائدة.

نشر هذا المقال في CADTM في 22 كانون الأول/ديسمبر 2023. 

  • 1 تساهم الفوائد المفروضة على القروض في تغذية موارد صندوق النقد الدولي.
  • 2لا تنطبق الرسوم الإضافية إلا على القروض الممنوحة من حساب الموارد العامة لصندوق النقد الدولي، وليس على القروض الميسّرة (بأسعار فائدة أقل للبلدان التي تواجه صعوبات).
  • 3إن تكلفة الاقتراض لا تشمل ما تبقى من القرض (أي أساس القرض). إنها تغطي الفوائد والرسوم الإضافية وما شابه ذلك.
  • 4United Nations General Assembly, External debt sustainability and development, Note by the Secretary-General, 25 July 2023.
  • 5Francisco Amsler, Michael Galant, op.cit.
  • 6لا تُستثنى مصر التي تمر بأزمة مديونية من تلك القاعدة، حيث يتعين عليها دفع نحو 1.3 مليار دولار كرسومٍ إضافية في خلال السنوات العشر المقبلة أي ما يعادل 10 ميزانيات تعليمية سنوية من مستوى ميزانية 2021/2022.
  • 7Francisco Amsler, Michael Galant, op.cit.