16 بؤرة جوع في العالم
حددت منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة (الفاو) وبرنامج الأغذية العالمي 16 بؤرة ساخنة للجوع حول العالم في تقريرهما الأخير الذي يغطي الفترة من تشرين الثاني/نوفمبر 2025 إلى أيار/مايو 2026. تنتشر هذه البؤر في مختلف قارات الجنوب العالمي، وتشمل مناطق تشهد ارتفاعاً حاداً في مستويات انعدام الأمن الغذائي، وأخرى تقف على شفير المجاعة أو شهدت بالفعل وقوعها. ويرجع التقرير تفاقم انعدام الأمن الغذائي في هذه الدول إلى مجموعة من العوامل المتداخلة، أبرزها الصراع المسلّح، والصدمات المناخية، وتدهور الأوضاع الاقتصادية الكلية، وانخفاض مستويات التمويل الدولي.
يظلّ الصراع المسلّح المحرّك الأبرز لانعدام الأمن الغذائي الحاد، إذ يطال 14 من أصل 16 بؤرة جوع. ويعمّق النزاع مستويات الجوع عبر مسارات متعددة تشمل تهجير المدنيين، وانهيار النظم الغذائية، وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية، فضلاً عن الإبادات الجماعية والتطهير العرقي كما في غزة والسودان، والحروب الأهلية والطائفية، وعنف العصابات.
كما تواجه الدول منخفضة الدخل، حيث تتركز معظم بؤر الجوع، ارتفاعاً مستمراً في أسعار الغذاء، إذ تجاوز معدل التضخم الغذائي 5% في 55.6% من هذه البلدان. وقد ساهم هذا التضخم، إلى جانب التدهور الاقتصادي العام، في تراجع القدرة الشرائية للسكان وتفاقم ضغوط الديون التي تحدّ من قدرة الحكومات على الاستثمار في نظمها الغذائية.
وتتعمّق هشاشة النظم الغذائية بفعل الظروف المناخية القاسية. ففي الشرق الأدنى وشمال أفريقيا، يزيد الجفاف والفيضانات من آثار الصراعات والأزمات الاقتصادية. وتعاني دول شرق أفريقيا مثل جنوب السودان والصومال وكينيا من مواسم أمطار دون المتوسط تهدد المحاصيل والمراعي. وفي غرب أفريقيا، سجّلت مالي هطول أمطار أقل من المعدل مع مخاطر فيضانات مرتقبة في بوركينا فاسو وتشاد. أما في آسيا، فلا تزال الظواهر المناخية المتطرفة تقوّض سبل المعيشة في أفغانستان وميانمار وبنغلاديش. وفي أميركا اللاتينية والكاريبي، أثّر تراجع إنتاج الموسم الرئيسي على الأمن الغذائي في هايتي.
وفي ظل هذا المشهد، يبقى التمويل الإنساني الطارئ للغذاء والزراعة غير كافٍ بشكل حاد، ما يهدّد بترك ملايين الأشخاص من دون دعم منقذ للحياة. ويشير التقرير إلى أن أمام المجتمع الدولي فرصة محدودة حتى نهاية العام 2025 لمنع وقوع مجاعات واسعة النطاق.
فلسطين
بعد نحو عامين من الإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل في غزة، تم تأكيد وقوع مجاعة في محافظة غزة في 15 آب/أغسطس 2025، مع توقعات بامتدادها إلى دير البلح وخان يونس بحلول نهاية أيلول/سبتمبر. وتشير التقديرات إلى أن الأوضاع في شمال غزة كانت بالقدر ذاته من الخطورة، وربما أشد. وقد قُدّر أن ما لا يقل عن 132 ألف طفل دون سن الخامسة سيعانون من سوء التغذية الحاد حتى حزيران/يونيو 2026، من بينهم 41 ألف طفل يعانون من سوء التغذية الشديد الذي يعرّض حياتهم لخطر مرتفع.
وعلى مدى عامين، قامت إسرائيل بتدمير شبه كامل للنظام الغذائي في قطاع غزة، بما يشمل الإنتاج الزراعي والحيواني والبنية التحتية المرتبطة بهما. وعلى الرغم من استئناف جزئي للمساعدات الغذائية عقب اتفاق وقف إطلاق النار في منتصف تشرين الأول/أكتوبر 2025، تبقى الفجوة بين الاحتياجات الإنسانية وحجم المساعدات كبيرة للغاية، مع استمرار الاحتلال في تقييد التدفق الإنساني والحركة التجارية. وتشير تقديرات الفاو إلى أن المستويات الكارثية من انعدام الأمن الغذائي قد تستمر ما دام وصول المساعدات والتجارة ما يزال محدوداً جزئياً.
وفي الضفة الغربية، تتصاعد العمليات العسكرية الإسرائيلية، إلى جانب توسيع المستوطنات وعمليات الهدم وعنف المستوطنين، إضافة إلى قيود الحركة المفروضة على السكان. وقد أدى هذا كله إلى تدهور اقتصادي عميق، وتراجع القدرة على الوصول إلى الغذاء. وتواجه الأسر الزراعية صدمات متزايدة في مصادر رزقها؛ إذ أفاد 87% منها بأنها تعرضت لصدمة واحدة على الأقل، بينما أشار أكثر من 40% إلى تعرضهم للعنف أو النزاع، و26% إلى مواجهتهم لقيود الحركة، في حين أبلغ آخرون عن فقدان وظائفهم أو ارتفاع تكاليف الغذاء والوقود والنقل.
السودان
حتى أيار/مايو 2025، قدّر التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي أن نحو 24.6 مليون شخص في السودان يواجهون مستويات مرتفعة من انعدام الأمن الغذائي الحاد (المرحلة 3 فما فوق)، من بينهم 8 ملايين شخص في مرحلة الطوارئ (المرحلة 4) و637 ألف شخص في مرحلة الكارثة (المرحلة 5). وقد أكدت لجنة مراجعة المجاعة وقوع مجاعة بالفعل في أواخر العام 2024 داخل 5 مخيمات في شمال دارفور وأجزاء من جنوب وغرب كردفان، مع توقعات بامتدادها إلى 5 مناطق إضافية في شمال دارفور بحلول أيار/مايو 2025، فيما تواجه 17 منطقة أخرى في دارفور وجبال النوبة الوسطى خطر الانزلاق إلى المجاعة.
ومن المتوقع أن يستمر تصاعد النزاع في هذه المناطق المتأثرة بالمجاعة، ولا سيما في كردفان وشمال دارفور، حيث تسجَّل أعلى مستويات العنف، إلى جانب تشديد الحصار على العواصم الإقليمية. ومن شأن هذا التصعيد أن يفاقم موجات النزوح، فوق العدد المسجَّل الذي تجاوز 9.8 ملايين نازح داخلياً حتى منتصف أيلول/سبتمبر 2025، وما يرافق ذلك من تدهور إضافي في الأوضاع المعيشية وانهيار في القدرة على الوصول إلى الغذاء.
وعلى الصعيد الاقتصادي، يُتوقع أن يتجاوز معدل التضخم حاجز 60% في العام 2026، ما سيقود إلى ارتفاع حاد في أسعار الغذاء. وقد شهدت مدينة الفاشر في شمال دارفور زيادة غير مسبوقة في أسعار الذرة والدخن بين حزيران/يونيو وأيلول/سبتمبر 2025، حيث تضاعفت الأسعار أكثر من 20 مرة بسبب الحصار المفروض.
إلى جانب ذلك، يهدد تضرر البنية التحتية، ونقص المدخلات الزراعية، والفيضانات الواسعة بتقويض إنتاج الحبوب على نحو خطير، مما ينذر بمزيد من التدهور في الأمن الغذائي في خلال العام التالي.
جنوب السودان
بين نيسان/أبريل وتموز/يوليو 2025، واجه نحو 7.7 ملايين شخص في جنوب السودان، أي 57% من السكان، مستويات حادة من انعدام الأمن الغذائي تقع في المرحلة الثالثة (الأزمة) أو أعلى وفق التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي. كما حُذّر من خطر وشيك لحدوث مجاعة في منطقة أعالي النيل.
وتُعد جنوب السودان من أفقر دول العالم، إلا أن الأزمة تفاقمت خلال 2025 مع انكماش الاقتصاد بنسبة 30% وارتفاع معدل التضخم إلى نحو 66%، ما أدى إلى تدهور القدرة الشرائية للسكان وزيادة صعوبة الوصول إلى الغذاء. ويتزامن هذا التدهور الاقتصادي مع نزاع مسلح مستمر أسفر عن نزوح حوالى 2 مليون شخص داخلياً، lk دون احتساب اللاجئين والعائدين من السودان، وسط تزايد المخاوف من اتساع دائرة النزاع ليشمل المناطق الأساسية لإنتاج الغذاء.
وفوق ذلك، تواجه البلاد سلسلة من الصدمات المناخية المتكررة، من بينها فيضانات واسعة على امتداد نهر النيل وجفاف شديد في المناطق الشرقية، ما ألحق أضراراً كبيرة بالمحاصيل الزراعية، وعمّق تراجع سبل المعيشة الريفية، وفاقم الأزمة الغذائية المستمرة.
اليمن
من المتوقع أن يواجه أكثر من نصف سكان اليمن مستويات مرتفعة من انعدام الأمن الغذائي الحاد بين أيلول/سبتمبر 2025 وشباط/فبراير 2026. وتشير التقديرات إلى أن نحو 18.1 مليون شخص سيقعون في مرحلة الأزمة (المرحلة 3) أو ما هو أشد، في حين قد يواجه أكثر من 41 ألف شخص أوضاعاً كارثية (المرحلة 5) في المناطق الخاضعة لسيطرة حكومة صنعاء.
وفي خلال العامين الماضيين، شهدت هذه المناطق هجمات غربية وإسرائيلية استهدفت بنى تحتية حيوية، مثل المطارات والموانئ، الأمر الذي أدى إلى انخفاض واردات الوقود عبر موانئ البحر الأحمر في تموز/يوليو إلى أدنى مستوياتها في خلال 3 سنوات. ومن المرجّح أن يسهم هذا الانخفاض في ارتفاع أسعار الغذاء وتكاليف النقل بشكل كبير.
وتواصل الأزمة الاقتصادية تقييد فرص كسب العيش وتقليص القدرة على تلبية الاحتياجات الأساسية، في ظل استمرار العقوبات وتراجع المساعدات الخارجية. كما يُتوقّع أن ينكمش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.5% في العام 2025، مع بقاء معدلات التضخم مرتفعة، ما يفاقم ضعف القوة الشرائية للأسر.
وعلى الصعيد الزراعي، شهدت البلاد صدمات مناخية متلاحقة، بدءاً بجفاف مبكر، تلاه هطول أمطار غزيرة خلال موسم الخريف الرئيسي الذي بدأ في آب/أغسطس 2025. كما أدت الفيضانات بين آب/أغسطس وأيلول/سبتمبر إلى تدمير البنية التحتية للري وآبار مياه الشرب، خصوصاً في محافظات لحج وتعز ومأرب، ما قلل من إنتاج الغذاء وأضعف سبل العيش في المجتمعات الزراعية.
الصومال
بحلول كانون الأول/ديسمبر 2025، يُتوقَّع أن يواجه نحو 4.4 ملايين شخص في الصومال مستويات حادة من انعدام الأمن الغذائي تقع في مرحلة الأزمة (المرحلة 3) أو أسوأ وفق التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي. كما يُرجَّح أن يعاني حوالى 1.85 مليون طفل دون سن الخامسة من سوء التغذية الحاد في خلال الفترة الممتدة من تموز/يوليو 2025 إلى حزيران/يونيو 2026.
ويعيش نصف سكان الصومال تحت خط الفقر الوطني (2022)، ما يجعل البلاد شديدة الهشاشة أمام صدمات الأمن الغذائي المتعددة. وتشمل هذه الصدمات تصاعد العنف المسلح في المناطق الجنوبية والوسطى منذ شباط/فبراير 2025، وتزايد التوترات السياسية في ولايتي جوبالاند وبونتلاند، وهو ما أسهم في إضعاف سبل كسب العيش ونزوح السكان.
سوريا
واجه ما يقرب من 9.1 ملايين شخص في سوريا انعداماً حاداً في الأمن الغذائي في خلال الفترة من آب/أغسطس إلى تشرين الأول/أكتوبر 2024، بينهم 1.4 مليون شخص يعانون من انعدام غذائي شديد، إضافة إلى 5.4 ملايين شخص آخرين معرّضين لخطر الانزلاق إلى مستويات أسوأ.
وعلى الرغم من رفع العقوبات الدولية، لا يزال الاقتصاد السوري يرزح تحت أزمة ممتدة وطويلة الأمد، تتجلى في نقص واردات النفط، وتراجع قيمة العملة، وضعف السيولة، ما أدى إلى انخفاض حاد في القدرة الشرائية للأسر. وبحلول حزيران/يونيو 2025، لم يعد الحد الأدنى للأجور يغطي سوى ثلث الاحتياجات الغذائية للأسرة، في ظل بنية تحتية متضررة بشدة بعد 14 عاماً من الحرب، ومسار تعافٍ ما يزال طويلاً وصعباً.
وعلى الصعيد المناخي، شهدت البلاد جفافاً شديداً في العام 2025—الأقسى منذ عقود—ما تسبب في تدمير المحاصيل، وتقليص مساحات الزراعة الصيفية، وزيادة نقص المياه، وتدهور المراعي. وأدى ذلك إلى مضاعفة أسعار الأعلاف، وتدهور صحة وتغذية الماشية، وانخفاض إنتاج الألبان. وفي المقابل، ارتفعت أسعار المواد الغذائية في الأسواق، ما قيد وصول الأسر إلى الغذاء، خصوصاً في المناطق الجنوبية التي تعتمد بشكل كبير على الإنتاج المحلي.
وتشير التوقعات إلى أن هطول الأمطار في الموسم المقبل سيكون أقل من المعدل، وهو ما يرجّح استمرار—وربما تفاقم—أزمة انعدام الأمن الغذائي في أنحاء واسعة من البلاد.
أفغانستان
بين أيار/مايو وتشرين الأول/أكتوبر 2025، واجه نحو 9.5 ملايين شخص في أفغانستان، أي ما يعادل 21% من السكان الذين شملهم التحليل، مستويات مرتفعة من انعدام الأمن الغذائي، تقع في المرحلة الثالثة (الأزمة) أو أسوأ وفق التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي. وتمثّل مرحلة الأزمة المستوى الثالث من بين 5 مراحل، وتشير إلى أن الأسر إمّا تعاني من فجوات فعلية في استهلاك الغذاء تؤدي إلى ارتفاع غير اعتيادي في سوء التغذية الحاد، أو أنها بالكاد تلبّي الحد الأدنى من احتياجاتها الغذائية من خلال استنزاف أصول سبل العيش الأساسية أو اللجوء إلى استراتيجيات تكيّف مؤلمة ومقوّضة للقدرة على الصمود.
ويقل متوسط الدخل الشهري للفرد في أفغانستان عن 35 دولاراً فقط، ما يجعل الجوع جزءاً بنيوياً من الحياة اليومية في البلاد. وعلى الرغم من ذلك، تشير التوقعات إلى بقاء انعدام الأمن الغذائي عند مستويات مرتفعة في خلال الفترة المقبلة، في ظل استمرار عوامل متعددة تشمل تقليص المساعدات الخارجية بسبب فجوات التمويل وتدفّق العائدين بأعداد كبيرة، خصوصاً من إيران، ما يقلّص التحويلات المالية التي كانت تمثّل مصدر دعم أساسي للأسر. كما تعرّضت البلاد في الفترة الأخيرة لسلسلة من الصدمات الطبيعية عمّقت الأزمة، أبرزها الزلزال الكبير الذي ضرب شرق البلاد وأثّر سلباً في الاقتصاد المحلي، إضافة إلى الجفاف الشديد الذي أصاب المناطق الشمالية والغربية، والفيضانات التي ألحقت أضراراً واسعة بالمحاصيل الزراعية وسبل المعيشة الريفية.
ميانمار
واجه نحو 11.8 مليون شخص في ميانمار، أي ما يعادل 22% من إجمالي السكان، مستويات مرتفعة من انعدام الأمن الغذائي الحاد في خلال الفترة من أيلول/سبتمبر إلى تشرين الأول/أكتوبر 2025. كما يُتوقّع أن يعاني 410 آلاف طفل دون سن الخامسة إضافة إلى النساء الحوامل والمرضعات من سوء التغذية الحاد بين حزيران/يونيو 2025 وأيار/مايو 2026.
ويبلغ دخل الفرد في ميانمار أقل من 114 دولاراً أميركياً سنوياً (2024)، وهو ما يجعل القدرة على الحصول على الغذاء تحدياً قائماً في الأصل. إلا أنّ تفاقم انعدام الأمن الغذائي في خلال العام 2025 يرتبط بعدد من العوامل الراهنة، أبرزها استمرار النزاع المسلح منذ أيار/مايو 2025 وما يرافقه من اتساع رقعة العنف وانعدام الأمان، الأزمة الاقتصادية الحادة وضعف العملة المحلية ما أدّى إلى تآكل الدخل الحقيقي للأسر، التضخّم السنوي المرتفع الذي بلغ نحو 31% في خلال السنة المالية 2025/2026، ما رفع أسعار السلع الأساسية بشكل كبير، الفيضانات المتكررة التي دمّرت الأراضي الزراعية في ولايات مختلفة وأثّرت على الإنتاج والمخزونات الغذائية، نقص التمويل الإنساني وتراجع قدرة المنظمات على التدخّل، القيود الشديدة على الوصول الإنساني، والتي تعيق إيصال المساعدات إلى السكان الأكثر تضرراً.
وبنتيجة تداخل هذه العوامل، تستمر ميانمار في مواجهة أزمة غذائية عميقة، مع اتساع فجوة القدرة على الحصول على الغذاء وازدياد المخاطر على الفئات الأكثر هشاشة.
لاجئو الروهينغيا في بنغلاديش
تشير تقديرات منظمة الفاو إلى أنّ نحو 446 ألف لاجئ من الروهينغيا، أي ما يعادل 40% من السكان الذين شملهم التحليل، من المتوقع أن يواجهوا المرحلة الثالثة (الأزمة) أو أسوأ وفق التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، وذلك في خلال الفترة الممتدة من أيار/مايو إلى كانون الأول/ديسمبر 2025.
ويتفاقم انعدام الأمن الغذائي بين لاجئي الروهينغيا في مخيّمات كوكس بازار وبهاسان شار، وكذلك داخل المجتمعات المضيفة، نتيجة التضخم المرتفع الناجم عن صدمات سلاسل التوريد، ما أدى إلى اتساع الفجوة بين أسعار الغذاء وبين مستويات الدخل المحدودة أصلاً.
كما تسهم الكوارث الطبيعية المتكررة في تعميق الأزمة، إذ شهد منتصف العام 2025 فيضانات محلية نتيجة الأمطار الغزيرة، فيما تشير التوقعات إلى هطول أمطار أعلى من المعدل حتى تشرين الأول/نوفمبر، الأمر الذي يزيد من احتمالات الفيضانات والانهيارات الأرضية في مناطق اللاجئين، ويهدد سبل العيش الهشة أصلاً.
وعلى الصعيد المناخي، شهد موسم الدير (نهاية 2024) جفافاً واسع النطاق وعجزاً كبيراً في هطول الأمطار على مستوى البلاد، أعقبه موسم جو (آذار/مارس – أيار/مايو 2025) الذي سجّل نقصاً شبه قياسي في الأمطار في شمال الصومال، الأمر الذي انعكس سلباً على الإنتاج الزراعي والمراعي وأدى إلى تراجعات حادة في المحاصيل.
وفي الوقت نفسه، يفاقم تراجع التمويل الإنساني من حجم الأزمة، إذ تم إغلاق أكثر من 300 مركز للتغذية نتيجة نقص الموارد، ما يحدّ من القدرة على الاستجابة لاحتياجات السكان ويزيد من المخاطر على الفئات الأكثر ضعفاً.
كينيا
شهدت مناطق عدة في كينيا هطول أمطار أقل من المعدل في خلال موسم الأمطار القصيرة لعام 2024، في حين سجّل موسم الأمطار الطويلة لعام 2025 معدلات تراوحت بين المتوسطة والأعلى من المتوسط، لكن التوزيع غير المنتظم للأمطار أدى إلى تراجع كبير في إنتاج المحاصيل في المناطق الزراعية، خصوصاً في المناطق المعتمدة على الزراعة المطرية.
وتزامنت هذه الاضطرابات المناخية مع نزاعات على الموارد أثّرت في المجتمعات الرعوية، إلى جانب صراعات عشائرية في شمال شرق البلاد، وهو ما قيّد الحركة وأضعف الوصول إلى المراعي والمياه، وعمّق التحديات المرتبطة بالأمن الغذائي. وأسهمت هذه العوامل مجتمعة في ارتفاع أسعار الغذاء، حيث ارتفع سعر الذرة على المستوى الوطني في حزيران/يونيو 2025 بنسبة 15% بالمقارنة مع العام 2024، نتيجة انخفاض إنتاج الحبوب في الموسم السابق.
وبناءً على ذلك، من المتوقع أن يواجه 2.1 مليون شخص في كينيا مرحلة الأزمة (المرحلة 3) أو أسوأ بين تشرين الأول/أكتوبر 2025 وكانون الثاني/يناير 2026. كما يُرجَّح أن يعاني نحو 742 ألف طفل دون سن الخامسة من سوء التغذية الحاد في خلال الفترة الممتدة من نيسان/أبريل 2025 إلى آذار/مارس 2026، ما يعكس هشاشة الوضع الإنساني في البلاد.
هايتي
بين آذار/مارس وتموز/يونيو 2026، يُتوقّع أن يواجه أكثر من 5.9 ملايين شخص، أي ما يعادل 53% من السكان الذين شملهم التحليل، المرحلة الثالثة (الأزمة) أو أعلى وفق التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي. ويمثل هذا العدد المستوى الأعلى منذ بدء تطبيق نظام التصنيف في هايتي في العام 2013.
وقد أدى توسع نفوذ العصابات إلى فرض حالة طوارئ لمدة ثلاثة أشهر في آب/أغسطس، الأمر الذي رفع احتمالات تصاعد العنف والانتهاكات، وأسهم في زيادة أعداد النازحين داخلياً وحرمانهم من الوصول إلى مصادر المعيشة والغذاء. كما يؤثر العنف بشكل مباشر في الاستثمار والاستهلاك الخاص، في وقت يتجه فيه الاقتصاد نحو عامه السابع على التوالي من الانكماش في عام 2025.
وتزامن ذلك مع ارتفاع مستمر في التضخم الغذائي منذ نيسان/أبريل، ليبلغ 35.1% في أيلول/سبتمبر 2025، وهو ما ضاعف الضغوط على الأسر، خصوصاً تلك ذات الدخل المحدود. كما ساهمت محدودية المدخلات الزراعية، والنزوح، وقطع الطرقات في جعل إنتاج الحبوب لموسم 2025 أقل من المتوسط الوطني.
إلى جانب ذلك، شهدت البلاد صدمات مناخية متكررة—بما في ذلك الفيضانات والجفاف—أدت إلى تراجع غلال الذرة والأرز خلال الموسم الرئيسي، ما فاقم من هشاشة الأمن الغذائي وأدى إلى تعميق الفجوات الغذائية في مناطق واسعة من البلاد
جمهورية الكونغو الديموقراطية
قدّر التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي أن أكثر من 27.7 مليون شخص في جمهورية الكونغو الديموقراطية، أي ما يعادل 24% من السكان الذين شملهم التحليل، سيواجهون مرحلة الأزمة (المرحلة 3) أو مستويات أسوأ في خلال الفترة من كانون الثاني/يناير إلى حزيران/يونيو 2025. كما يُتوقع استمرار انتشار سوء التغذية على نطاق واسع، إذ تشير التقديرات السابقة إلى أن 4.5 ملايين طفل دون سن الخامسة و3.7 ملايين امرأة حامل ومرضعة سيعانون من سوء التغذية الحاد حتى حزيران/يونيو 2025.
وقد أدى تجدد نشاط الجماعات المسلحة وتصاعد الصراع منذ كانون الثاني/يناير 2025 إلى انهيار الأسواق وانتشار النزوح على نطاق واسع، ما جعل البلاد واحدة من أكبر أزمات النزوح الداخلي في العالم، وسط محدودية شديدة في الوصول الإنساني. كما تسبب النزاع في صعوبة الوصول إلى الأراضي الزراعية، وهو ما انعكس سلباً على الإنتاج الزراعي والأمن الغذائي.
وتفاقمت الأزمة مع الفيضانات الشديدة التي ضربت منطقة كينشاسا في نيسان/أبريل، إذ أدت إلى تدمير مصادر كسب العيش والأراضي الزراعية، وألحقت خسائر كبيرة بمحصول الذرة، وهو من المحاصيل الأساسية في سلة الغذاء المحلية. وإلى جانب ذلك، أدت الضغوط التضخمية واضطرابات سلاسل الإمداد إلى رفع أسعار دقيق الذرة إلى مستويات أعلى مما كانت عليه قبل اندلاع النزاع، مما قلّص القدرة الشرائية للأسر، في وقت تعاني فيه برامج المساعدة الغذائية من نقص حاد في التمويل.
مالي
كان من المتوقع أن يواجه نحو 1.5 مليون شخص، أي 6% من السكان، مستويات من انعدام الأمن الغذائي تقع في مرحلة الأزمة (المرحلة 3) أو أعلى في خلال موسم الشح بين حزيران/يونيو وآب/أغسطس 2025، وفقاً للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي.
وقد شهدت الأشهر الأخيرة اتساع رقعة الصراع إلى مناطق كانت أقل تضرراً في السابق، مع تزايد الهجمات المميتة، بما يشمل المناطق التي تعاني أصلاً من مستويات طوارئ (المرحلة 4)، مثل ولايتي موبتي وغاو. ويؤدي تفاقم انعدام الأمن إلى تعطيل النقل والتجارة في الأسواق المحلية، وإلى نقص حاد في الوقود، ما ينعكس سلباً على إنتاج الغذاء وتداوله.
وتتوقع التقديرات أن تسهم محدودية الوصول إلى المدخلات الزراعية، وتفشي الآفات، وتقليص المساحات المزروعة في المناطق الوسطى والشمالية المتأثرة بالنزاعات، في حدوث نقص محلي في إنتاج المحاصيل في خلال العام 2025، وهو ما يؤدي بطبيعة الحال إلى ارتفاع أسعار الغذاء. وفي المناطق الأشد تضرراً بالنزاع مثل غاو وكيدال وميناكا، تجاوزت تكلفة سلة الغذاء في تموز/يوليو 2025 المتوسط الوطني بنسبة تتراوح بين 118% و152%، ما يعكس حجم الضغوط المعيشية على السكان.
نيجيريا
بحسب التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي الصادر في آذار/مارس 2025، كان من المتوقع أن يواجه أكثر من 30.6 مليون شخص، أي 15% من السكان الخاضعين للتحليل، مستويات من انعدام الأمن الغذائي الحاد تقع في مرحلة الأزمة أو ما هو أشد، وذلك عبر 26 ولاية ومنطقة العاصمة الفيدرالية، في خلال الفترة من حزيران/يونيو إلى آب/أغسطس 2025.
ويُرجَّح أن يستمر العنف الشديد في منطقتي الشمال الشرقي والشمال الغربي، ما يؤدي إلى استمرار نزوح أكثر من 3 ملايين شخص. كما يؤدي هذا العنف إلى تعطيل النظم الغذائية والأنشطة الزراعية، وإعاقة جهود إيصال المساعدات الإنسانية في المناطق الأكثر حاجة.
وعلى المستوى المناخي، قد يؤدي نقص الأمطار في خلال موسم 2025 إلى انخفاض إنتاج الحبوب في المناطق الوسطى والشمالية، بينما تسبّب الجفاف المتكرر في المناطق الغربية والجنوبية في تراجع إنتاج الذرة للموسم الثاني على التوالي. وفي المقابل، أدت الأمطار الغزيرة إلى فيضانات واسعة أثّرت على أكثر من 340 ألف شخص، وغمرت الأراضي الزراعية في عدد من المناطق، خصوصاً في حوضي النيجر وبنوي.
وتستمر معدلات التضخم في تسجيل مستويات من خانتين للعام العاشر على التوالي في 2025، مدفوعة بارتفاع أسعار الغذاء، وزيادة تكاليف الطاقة، وعدم استقرار العملة بسبب الضغوط على الاحتياطيات الأجنبية، ما يزيد من تدهور القدرة الشرائية للأسر ويعمّق أزمة الأمن الغذائي في البلاد.
بوركينا فاسو
وفقاً لأحدث تحليل متاح للأمن الغذائي (آذار/مارس 2024)، واجه حوالي 2.7 مليون شخص، أي 12% من السكان، مستويات من انعدام الأمن الغذائي الحاد عند مرحلة الأزمة (المرحلة 3) أو أسوأ في خلال الفترة من حزيران/يونيو إلى آب/أغسطس 2024. كما أثر سوء التغذية الحاد على نحو 426 ألف طفل دون سن الخامسة وأكثر من 40 ألف امرأة حامل ومرضعة بين آب/أغسطس 2024 وتموز/يوليو 2025.
ولا يزال النزاع المسلح يؤثر على مساحات واسعة من البلاد، خصوصاً في المناطق الشمالية والشرقية، حيث يعيق بشكل كبير وصول الإمدادات السوقية والمساعدات الإنسانية، لاسيما في المناطق المعزولة والمحاصرة. ومن المتوقع أن تستمر أسعار المواد الغذائية في الارتفاع نتيجة الاضطرابات في الأسواق، والقيود على التجارة الحدودية، وارتفاع تكاليف النقل.
وفي تموز/يوليو 2025، تجاوزت أسعار الحبوب المتوسط في خلال 5 سنوات بنسبة تتراوح بين 15% و30% في معظم الأسواق الوطنية، بينما تضاعفت تقريباً في العديد من المناطق غير الآمنة مثل سيبا وجايري، نتيجة القيود الأمنية وصعوبة الوصول.
تشاد
واجه أكثر من 3.3 ملايين شخص في تشاد، أي 19% من السكان، مستويات حادة من انعدام الأمن الغذائي عند مرحلة الأزمة أو أسوأ بين حزيران/يونيو وآب/أغسطس 2025. كما عانى أكثر من مليوني طفل دون سن الخامسة من سوء التغذية الحاد، بينهم 537 ألف طفل في حالة سوء تغذية شديد، خلال الفترة من تشرين الأول/أكتوبر 2024 إلى أيلول/سبتمبر 2025.
ومن المتوقع أن يستمر انعدام الأمن في محافظة لاك، ما يؤدي إلى تعطيل سبل العيش والتجارة وزيادة عدد النازحين داخلياً الذي بلغ 226 ألف شخص بحلول أيار/مايو 2025. وفي الجنوب، يُرجَّح استمرار الصراعات الطائفية، مسببة خسائر في الأرواح والمواشي والمحاصيل، إلى جانب نزوح السكان وسط نقص التمويل وتقييد الأنشطة الإنسانية.
وقد أدى تأخر موسم الأمطار إلى إعاقة زراعة المحاصيل ونموها خلال عام 2025، فيما ساهمت فترات الجفاف في الجنوب في تدهور الغطاء النباتي حتى نهاية أيلول/سبتمبر. ورغم أن هطول أمطار أعلى من المتوسط حتى تشرين الأول/أكتوبر قد يدعم تعافي المحاصيل وزيادة الغلات، فإن ذلك قد يزيد أيضاً من مخاطر الفيضانات المحلية ويحدّ من القدرة على الوصول إلى الأراضي الزراعية.